للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القصيدة: "والآن سأتحدث إليك أيها الأخ الأبله برسيوس ولا أبغي من حديثي إلا الخير لكَ". ويقول لنا هزيود إن برسيوس هذا قد خدعه واغتصب منه ميراثه؛ ثم يحدثنا بعد هذا الاغتصاب حديثاً هو أول موعظة معروفة في التاريخ تصف فضيلة الجد وكرامته، وتقول إن الشرف والكدح أوفر كرامة وأدل على الحكمة من الرذيلة والترف والخمول: "إن من أيسر الأمور لكَ أن تختار الرذيلة وأن تختار منها أكداساً مكدسة لأن الطريق إليها معبد ومقامها جد قريب. ولكن الآلهة المخلدين قد أقاموا في سبيل الفضيلة عرق الكدح وجعلوا الطريق المؤدي إليها طويلاً وعراً شاقاً في بداية الأمر ولكنك إذا وصلت إلى أعلاه وجدته سهلاً بحق رغم ما لقيت فيه من المشقة قبل". ثم يضع الشاعر قواعد لأعمال الزراعة الجدية ويحدد خير أيام الحرث والغرس والحصاد، ويصوغ أقواله في أمثال فجة صقلها فرجيل فيما بعد في شعر بلغ حد الكمال. وهو يحذر برسيوس من عاقبة الإفراط في الشراب صيفاً ومن تخفيف الملابس شتاءّ. ويصور شتاء بؤوتية القاسي فيقول عنه إن ريحه زمهرير تسلخ جلد الجؤذر والبحار والأنهار تضطرب مياهها بفعل ريح الشمال والغابات تنوح وأشجار الصنوبر تتساقط، والحيوانات "ترهب الثلج الأبيض"، وتأوي خائفة إلى حظائرها ومذاودها، وما أدفأ الكوخ الحسن البناء في ذلك الوقت، فهو الجزاء الأخير للكدح بشجاعة وفطنة! ففيه لا تنقطع الأعمال المنزلية مهما اشتدت العواصف، وفيه تكون الزوجة نعم العون حقاً، فهي خير عوض للرجل مما سببته له من متاعب كثيرة.

ولا يستطيع هزيود أن يقطع برأي في الزوجات، وما من شك في أنه كان أعزب أو أرمل، لأن مَن كانت له زوجة حية لا يتحدث عن المرأة بهذا الغل الشديد. نعم إن الشاعر يبدأ في آخر القطعة الباقية من قصيدتهِ ثبتاً بأسماء النساء كله شهامة ومروءة، ويعيد على مسمعنا قصص تلك الأيام التي كان عدد البطلات فيها لا يقل عن عدد الأبطال وحين كانت كثرة الأرباب