يعيشون من كدح رقيق الأرض. وهنا في أقصى الشمال يعلو جبل أولمبس أعلى قلل البلاد ومواطن الآلهة الأولمبية. وعلى سفوحه الشمالية والشرقية تقوم بيريا Pieria التي كانت موطن ربات الشعر قبل انتقالهن إلى هليكون (١). وإلى الجنوب، على طول الخليج، تمتد مجنيزيا حيث تتجمع الجبال من أسَّا Assa إلى بليون Pelion.
وتمتد جزيرة عوبية Euboea مقابلة لسواحل اليونان القارية بين الخلجان الداخلية ومياه بحر إيجة الخارجية، مبتدئة في عرض المضيق على بعد أميال قليلة من مجنيزيا، وترتكز على شبه جزيرة في كليس تكاد تصلها ببؤتية. والعمود الفقري للجزيرة سلسلة جبلية هي امتداد لأولمبس، وبليون، وأثريس وتنتهي بجزائر سكلديس. وقد بلغت سهولها الساحلية درجة من الخصب والثراء أغرت بها الأيونيين القادمين من أتكا في أيام غزو الدوريين، وأدت إلى فتحها على يد الأثينيين في عام ٥٠٦ ق. م، وكانت حجة أثينة التي تذرعت بها لهذا الفتح أنها إذا حوصرت عند ببريوس ماتت جوعاً إن لم تصلها حبوب عوبية. وكانت رواسب النحاس والحديد وأجراف الأصداف مصدر ثراء كلسيس والأصل الذي اشتق منه اسمها. وقد ظلت وقتاً ما أهم مراكز الصناعات المعدنية في بلاد اليونان، واشتهرت بسيوفها التي لا تضارعها قط سيوف أخرى، وبمزهرياتها البرونزية التي بلغت أعلى درجة من الإتقان. ومما ساعد على انتعاش تجارة الجزيرة أن استخدمت فيها نقود من أقدم النقود اليونانية، وكانت تخرج من كلسيس فكانت مصدر ثراء أهلها وحافزاً لهم إلى إنشاء مستعمرات تجارية في تراقية وإيطالية وصقلية. وكاد نظام الموازين والمكاييل العوبي أن يعم بلاد اليونان كلها، كما أضحت حروف كلسيس الهجائية التي أخذتها رومة من كومي الإيطالية مستعمرة
(١) وهي التي وردت في نصيحة ألكسندر بوب الحكيمة التي يتضمنها البيتان الآتيان: إن العلم القليل يعرض للأخطار، فإما أن ترتوي منه وإما ألا تمس النبع البيري