للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قصيرات تدل إما على عبادة هؤلاء الناس للأمومة، وإما على تصوير الإفريقيين عندئذ للجمال؛ واستخرجت من الأرض في تشكوسلوفاكيا تماثيل حجرية لحصان وحشي ووعل وماموث، وجدت بين آثار ترجع- على سبيل الشك- إلى سنة ٠٠٠ ر ٣٠ ق. م (٢٢).

إن تفسيرنا لسير التاريخ على أنه سير إلى الأمام، لينهار من أساسه إذ شككنا في أن هذه التماثيل وهذه النقوش البارزة وهذه الصور- على كثرة عددها- قد لا تكون إلا جزءاً صغيراً جداً من الفن الذي عبر به الإنسان البدائي عن نفسه، أو الذي زَيَّنَ به حياته؛ إن ما بقى لنا كله في كهوف، حيث عَزَّ على عوامل المناخ أن تتسلَّل إليها فتفسدها، ولكن ذلك لا يقتضي أن إنسان ما قبل التاريخ لم يكن فناناً إلا حين سكن الكهوف؛ فربما نحتوا في كل مكان كما يفعل اليابانيون، وربما أكثروا صناعة التماثيل مثل اليونان، وربما لم يقتصروا في تصويرهم على صخور الكهوف، بل صوروا كذلك رسومهم على أقمشة وخشب وعلى كل شيء آخر- غير مستثنين أجسامهم؛ ربما أبدعوا في الفن آيات تفوق بكثير هذه القطع التي بقيت لنا؛ ففي أحد الكهوف وجدنا أنبوبة مصنوعة من عظم الوعل وملآنة بمادة ملونة لجلد الإنسان (٢٣)؛ وفي كهف آخر وجدنا لوحة مصور فنان مما يوضع عليه الألوان عند التصوير، وجدناها لا تزال تحمل على سطحها طلاء مَغْرَةٍِ "تراب حديدي" أحمر، على الرغم من مائتي قرن مضت عليه (٢٤)؛ فالظاهر أن الفنون بلغت درجة عالية من التطور، واتسع نطاقها بين الناس منذ ثمانية عشرة ألف عام؛ فيجوز أن قد كان بين أهل العصر الحجري القديم فنانون محترفون، ويجوز أن قد كان بينهم كذلك همج متأخرين يتضورون جوعا ويسكنون الكهوف الحقيرة، حيث ينكرون الطبقات الغنية من التجار، ويتآمرون على قتل المجاميع العلمية، ويصنعون بأيديهم أشياء وصلت إلينا فأصبحت تُحفَا.