إليه بنفسها سلطته. ويقول هيرودوت في هذا:"ولم يكن لدى أهل المدينة أقل شك في أن هذه المرأة هي الإلهة نفسها، فخروا سجداً أمامها، ورضوا بعودة بيسستراتس". وانقلب زعماء الشاطئ عليه مرة أخرى، وأخرجوه من المدينة مرة ثانية (٥٤٩)، ولكنه عاد إليها من جديد في عام ٥٤٦، وهزم الجنود الذين سُيروا لقتاله وبقي في هذه المرة حاكماً بأمره تسعة عشر عاماً، كادت سياسته وخططه الحكيمة في خلالها أن تكفر عن الأساليب الروائية غير الشريفة التي استولى بها على أزمة الحكم.
وكانت أخلاق بيسستراتس مزيجاً نادراً من الثقافة، وقوة العقل، ومن الكفاية الإدارية، والجاذبية الشخصية. وكان في وسعه أن يقاتل دون أن تأخذه بأعدائه رحمة، وأن يعفو عنهم دون ما تردد؛ وكان في مقدوره أن يعيش في أكثر التيارات الفكرية تقدماً في أيامه، وأن يحكم دون أن يتأثر بما يتأثر به الرجل المفكر من تردد في الهدف وإحجام عن البت في الأمور. وكان دمث الأخلاق، رحيماً في أحكامه، كريماً في معاملته جميع الناس. ويقول فيه أرسطاطاليس:"وكان حكمه معتدلاً وسار فيه سيرة السياسي لا سيرة الرجل الظالم الشديد". ولم ينتقم إلا من عدد قليل من أعدائهِ الجدد؛ ولكنه نفى من البلاد من لم يستطيع استرضاءهم من معارضيه، وقسم ضياعهم على الفقراء. وأصلح الجيش، وأنشأ الأسطول، ليصد بهما الأعتداء من خارج البلاد؛ وجعل أثينة بمنجاة من الحرب، ونشر في المدينة التي لم تخرج من غمار المنازعات الطائفية إلا من عهد قريب لواء الأمن والنظام والرضى والطمأنينة، حتى أصبح من الأقوال التي تألف الأذن سماعها أنه أعاد إليها عصر كرونوس الذهبي.
وأدهش الناس كلهم باحتفاظه بدستور صولون وعدم إدخاله شيئاً على تفاصيله إلا القليل الذي لا يستحق الذكر. ذلك أنه كان يعرف، كما عرف أغسطس من بعده، كيف يزين الدكتاتورية ويؤيدها بالمنح والأشكال