للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هجاءً لاذعاً، حرص التاريخ الذي كتبه الرجال على الاحتفاظ به إلى هذه الأيام (١). وإلى الغرب منها تقع جزيرة باروس وتكاد كلها أن تكون من الرخام، وأهلها يشيدون منه بيوتهم، وقد وجد فيها بركستليز الحجر النصف الشفاف الذي نحته وصقله وصور فيه الجسم الآدمي صورة يكاد يعتقد الناظر إليها أنها من لحم ودم. وفي هذه الجزيرة ولد في أواخر القرن الثامن أركلوكوس Archilochus من جارية مشتراة بالمال، ولكنه كان أعظم الشعراء المغنين، ولد في بلاد اليونان. وقد قاده حظ الجنود شمالاً إلى ثاسيوس Thasos حيث اشتبك في حرب مع أهلها، ولكنه في أثناء المعركة ألقى بدرعه وأطلق ساقيه للريح لأنه وجدهما أعود عليه بالفائدة من الدروع، وعاش ليسخر من هذه الحرب فيما بعد سخريات كثيرة. ولما عاد إلى باروس أحب فيها نيوبولي Neobule ابنة الثري ليكمبيز Lycambes. وهو يصفها بأنها فتاة متواضعة، لها ضفيرتان تنوسان على كتفيها، ويتحسر كما يتحسر أمثاله في كل الأزمان ويقول إن "كل ما يتمناه أن يلمس يدها" (١٤). ولكن لكمبيز كان يُعجب بشعر الشاعر أكثر من إعجابه بماله فقضى على آماله؛ فما كان من أركلوكس إلا أن حمل عليه وعلى نيوبولي وأختها حملة من الهجاء شعواء آثر معها ثلاثتهم كما تقول القصة أن يشنقوا أنفسهم. وامتلأ قلب أركلوكس حقداً على باروس فترك "تينها وسمكها" وأصبح مرة أخرى جندياً يبحث عن حظه في ميادين القتال. ولما أن عجزت ساقاه في آخر الأمر عن أن تسعفاه في الهرب قتل وهو يحارب النكسيين (٢).

وتدلنا قصائده على أنه كان يُغلظ في القول لأعدائه وأصدقائه على السواء، وأنه كان شديد الولع بالزنا، يدفعه إلى هذا خيبة آماله في الحب (١٥).


(١) يشبه سمنيدس النساء في أيامه بالثعالب والحمير والخنازير، والبحر المنقلب، ويقسم أن زوجاً من الأزواج لا يمر عليه يوم واحد في حياته دون أن توجه إليه زوجته كلمة تأنيب.
(٢) أهل جزيرة نكسوس Naxos.