للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عظيم شُيد على الطراز الأيوني. وشُيد الهيكل الثاني حوالي عام ٥٤٠ وقدم كروسس جزءاً كبيراً من المال الذي أنفق في تشييده، واشترك في تصميمه بيونيوس الإفسوسي وثيودورس الساموسي، ودمتريوس أحد كهنة الضريح. وكان أكبر هيكل يوناني أقيم حتى ذلك الوقت، وكان بعد بلا نزاع من بين عجائب الدنيا السبع (١). ولم تشتهر المدينة بهياكلها وحدها، بل اشتهرت أيضاً بشعائرها، وفلاسفتها، وبنسائها ذوات الجلابيب الغالية (٥١). وعاش فيها في ذلك الزمن البعيد أي حوالي ٦٩٠ ق. م كلنوس Callinus أول من نعرف من شعراء المرائي في بلاد اليونان. وكان أعظم منه قدراً وأقبح منه منظراً هبوناكس Hipponax الذي ألف عام ٥٥٠ قصائد قبيحة في موضوعها، غامضة في ألفاظها، لاذعة في فكاهتها، دقيقة في وزنها الشعري، جعلت بلاد اليونان كلها تتحدث عنه، وإفسوس كلها تحقد عليه. وكان قصير القامة نحيل الجسم، أعرج، مشوهاً، غاية في قبح المنظر. ويقول في بعض ما بقي من إحدى قصائده إن المرأة تسبب السعادة للرجل في يومين - "أحدهما يوم يتزوجها، والثانية يوم يدفنها" (٥٢). وكان هجّاءً قاسياً، هجا كل عظيم في إفسوس من أحقر المجرمين إلى أعظم كهنة الهيكل، ولما عرض المثالان بوبالوس Bupalus وأثنيس Athenis رسماً له مضحكاً لطيفاً، هجاهما في شعره هجواً لاذعاً بلغ من القذارة حداً جعله أبقى على الدهر من حجارتهم وأحد من أسنان الزمان.

وكان أعظم أبناء إفسوس كلهم هو هرقليطس الغامض Heracleitus The Obscure


(١) وكانت العجائب الست الأخرى هي حدائق بابل المعلقة، ومنارة الإسكندرية، وتمثال رودس الضخم، وزيوس فيدياس في أولمبيا، وقبر موسولس في هليكرنسس، وأهرام مصر. ويصف بلني الهيكل الثاني بقوله إنه يبلغ ٤١٥ قدماً في الطول، و ٢٢٥ قدماً في العرض، وإن به ١٢٧ عموداً يبلغ ارتفاعها ٦٠ قدماً - وكان بعضها مزداناً أو مشوهاً بالنقوش (٥٠). وقد تم بناء هذا الهيكل في عام ٥٢٠ ق. م بعد كدح دام قرناً كاملاً، ثم احترق وتهدم في عام ٣٥٦ ق. م.