للأشياء تحديداً تعسفياً؛ ولكنهما من وجهة نظر الكون النزيهة الخالية من التحيزات لا تعدوان أن تكونا صورتين من صور تغير الأشكال التي لا تقف عند حد؛ ففي كل لحظة من اللحظات يموت جزء منا، ويعيش الكل، وفي كل ثانية يموت واحد منا وتبقى الحياة. والموت بداية كما هو نهاية؛ والمولد نهاية كما هو بداية. وألفاظنا، وأفكارنا، وحتى أخلاقنا نفسها، نزعات وأهواء، وتمثيل لمصالحنا مجزأة أو مجتمعة؛ ومن واجب الفلسفة أن تنظر إلى الأشياء الفردية في ضوء المجموع. "والأشياء كلها عند الله جميلة طيبة، حقة؛ ولكن الناس يرون بعض الأشياء خطأ ويرون بعضها صواباً"(٦١).
وكما أن الروح لسان عابر من لهب الحياة المتغير إلى أبد الدهر، فكذلك الله هو النار الخالدة الأبدية، وهو طاقة العالم التي لا تفنى أبداً. وهو الوحدة التي تربط جميع الأضداد، وهو الانسجام الكائن بين جميع التفاعلات، وهو جماع المعاني في كل المشاحنات. وهذه النار المقدسة كالحياة (لأن كلتيهما توجد في كل مكان، وهما شيء واحد) تغير شكلها على الدوام، ولا تنفك تنقل إلى أعلى أو أسفل على سلم التغير، ولا تفتأ تبيد الأشياء وتعيد صنعها؛ والحق أنه سيأتي يوم بعيد "تحكم فيه النار على جميع الأشياء وتدينها"(٢٦)، تهلكها وتمهد السبيل لأشكال جديدة، في يوم الحساب الأخير، أو يوم الكارثة الكونية. بيد أن أعمال النار الخالدة ليست خالية من المعنى أو مجردة من النظام؛ ولو أننا استطعنا أن نفهم العالم مجتمعاً، لرأينا فيه حكمة عظيمة غير شخصية، علماً أو عقلاً أو كلمة (٦٥)؛ ومن واجبنا أن نحاول تشكيل حياتنا بحيث تتفق مع هذه السُّنة من سنن الطبيعة، وهذا القانون العالمي، هذه الحكمة أو الطاقة المنظمة التي هي الله (٩١). "إن من الحكمة ألا تستمعوا إليَّ، بل إلى الكلمة"(١)، وأن تبحثوا عن العقل اللانهائي للكل وتتبعوه.