الأمر إلى تئوس بعد الحرب الفارسية ليخفف عن نفسه العناء في شيخوخته وضعفه بالغناء والشراب. وكان جزاؤه على إفراطه في ملذاته أن عمر طويلاً حتى بلغ الخامسة والثمانين من عمره؛ وكان سبب موته على ما نقل إلينا الرواة أن وقفت بذرة عنبة في حلقه (٦٢).
وقد عرفت الإسكندرية خمسة من كتي أنكريون ولكن لم يبقَ من أشعاره إلا بضعة أبيات مزدوجة. وكانت موضوعات شعره هي الخمر، والنساء، والغلمان، وكان يلجأ فيه إلى المزاح اللطيف يصوغه في البحر العمبقي (Iambic) الخفيف. وأياً كان الموضوع الذي يطرقه فإنه لا يبدو للقارئ بذيئاً أو غليظاً لأنه يصوغه في ألفاظ عفة وشعر رقيق. ولم يكن أنكريون مثل هبوناكس ذا ألفاظ بذيئة حادة، أو مثل سافو في شدتها، بل كان شاعر بلاط يعرض ثرثرته المهذبة الرقيقة على من يشتريها، ويمتدح كل ملك يعجبه ويبتاع له الخمر. ويظن أثنيوس أن أغانيه الخمرية، وتقلبه في عشقه، كانت كلها تصنعاً (٦٣)؛ ولعل أنكريون كان يخفي وفاءه لكي يحظى بإعجاب النساء به، كما كان يخفي اعتداله في الشراب ليزيد بذلك شهرته. وثمة قصة لطيفة تروي كيف صدمت قدمه وهو ثمل طفلاً صغيراً فانهال عليه سباً بأقذع الألفاظ، ثم أحب في شيخوخته هذا الغلام نفسه وكفر عن ذنبه بأن أخذ يكيل له المدح (٦٤). وكان لا يفرق في عشقه بين الذكور والإناث، بل يحب الجنسين على السواء، ولكنه لما كبر دفعته شهامته إلى تفضيل الإناث على الذكور. وقد جاء في بعض ما بقي لنا من شعره:"أنظر الآن، إن الحب ذا الشَّعر الذهبي يضربني بكرته الأرجوانية، ويدعوني لكي ألعب مع فتاة ذات حذائين متعددي الألوان، ولكنها تسكن لسبوس الشامخة، ولا يعجبها شعري الأبيض وتذهب لتبحث لها عن ضحية أخرى"(٦٥). وقد كتب أحد الكتاب الفكهين الذي عاش بعد عصره قبرية تكشف عن حقيقة أمره قال فيها: