وتنوع الحياة فيها، فقد كُشف في أرضها عن ملعب رياضي، وحصن، ومضمار للركض، ودار للتمثيل. وكانت طرقاتها واسعة جيدة الرصف تزينها الهياكل والقصور، وكان شارعها الرئيسي، المعروف بالذهبي، مشهوراً ذائع الصيت في بلاد اليونان بأجمعها.
وكانت أبعد المدن اليونانية شمالاً مدينة فوقية Phocaea، ولا تزال قائمة إلى اليوم يُطلق عليها اسم فوقية Fokia؛ وكان نهر هرمس يكاد يصلها بسرديس نفسها فأكسبها هذا الاتصال مزية عظيمة في تجارة اليونان مع ليديا، وكان التجار الفوقيون يسافرون أسفاراً بعيدة بحثاً عن الأسواق، وهم الذين حملوا الثقافة اليونانية إلى قورسقة Corsica وأسسوا مرسيليا.
تلك هي مدائن أيونيا الاثنتا عشرة ألقينا عليها نظرة عاجلة كأنا نطوف بها في رحلة جوية خلال الزمان والفضاء. لقد كان ما بين هذه المدائن من تنافس وتحاسد مانعاً لها من أن تكون فيما بينها وحدة تعينها على الدفاع المشترك، ولكن أهلها مع ذلك كانوا يعترفون بما بينهم من تضامن واتفاق في المصالح، وكانوا يجتمعون في مراسم معينة في ميكالي Mycale، الأكمة الممتدة في البحر عند برين Prien، في عيد جميع الأيونيين Paniomium العظيم. وقد طلب إليهم طاليس أن يؤلفوا منهم جامعة يكون فيها كل ذكر رشيد مواطناً في مدينته وفي الاتحاد الأيوني، ولكن التنافس التجاري كان أقوى من أن يسمح بقيام هذه الجامعة، بل إنه بدل أن يؤدي إلى الوحدة السياسية أدى إلى التقاتل والتطاحن، ولما أن أقبل الفرس غازين فاتحين (٥٤٦ - ٥٤٥)، واتحدت تلك المدائن اتحاداً مرتجلاً للدفاع عن نفسها، كان هذا الاتحاد ضعيفاً واهي الأساس، فلم تلبث المدن الأيونية أن دانت لسلطان الملك العظيم. على أن ما كانت تنطوي عليه قلوب