فهو كله يرى، وكله يفكر، وكله يسمع. وهو يسيطر من نصب على الأشياء كلها بقوة عقله (٥١).
ويقول ديوجنيز ليرتس (٥٢) إن زنوفانيز قد وحد بين هذا الإله والكون. وكان هذا الفيلسوف يعلم الناس أن الأشياء كلها، بل والناس أيضاً، مخلوقون من الطين والماء حسب قوانين طبيعية (٥٣)، وإن الماء كان في يوم من الأيام يغطي الأرض بأجمعها لأنا نرى في الحفريات البحرية في الأرض بعيدة عن شواطئ البحار وعلى رؤوس الجبال، وأكبر الظن أن الماء سيغطي الأرض كلها يوماً ما في المستقبل (٥٤). بيد أن كل ما يحدث في التاريخ من تغير، وكل ما يحدث في الأشياء من فرقة وانقسام، ليس إلا ظواهر سطحية، وأن من تحت هذا الرخام ومن وراء ذلك الاختلاف في الصور والأشكال وحدة لا تتبدل أبداً هي حقيقة العلم الباطنة الداخلية.
ومن هذه البداية سار برمنيدس الإليائي تلميذ زنوفانيز إلى الفلسفة المثالية التي كان لها أكبر الأثر في تشكيل تفكير أفلاطون والأفلاطونيين طوال العصر القديم، وتفكير أوربا الذي دام إلى يومنا هذا.