الآدميين قرب آلهة اليونان. وكان لكل حرفة، ولكل مهنة، ولكل فن، إله خاص أو راع حارس؛ بلغة هذه الأيام. وكان عند اليونان فضلاً عن هذا شياطين، ونساء مجنحة، وآلهة انتقام، وجن، وأرباب بشعة المنظر، وإلاهات ذوات صوت شجي يسلب العقول، وحور عين في البحار والغاب لا يقل عددهن عن سكان الأرض من الآدميين. وفي هذه البلاد بنوع خاص لا تبقى حاجة للسؤال القديم "هل الدين من وضع الكهنة؟ ". ذلك أن من غير المعقول أن أية مؤامرة يدبرها رجال الدين الأولون تستطيع أن تخرج هذه الكثرة من الآلهة. وما من شك في أن من أكبر النعم التي ينعم بها هؤلاء الأقوام أن يكون لهم كل أولئك الآلهة، وكل هالة القصص الفتانة الساحرة، وكل هذه الأضرحة المقدسة والحفلات المهيبة المرحة. لقد فُطر الإنسان على أن يعبد آلهة متعددة كما فُطر على الزواج من نساء متعددات، ولا يقل عمر فطرته الأولى عن فطرته الثانية، لأنها توائم كل المواءمة ما في العالم من تيارات متعارضة. وإن مسيحية البحر المتوسط في هذه الأيام لا يعبد فيها الله بقدر ما يعبد فيها الأولياء والقديسون. ذلك أن الشرك هو الذي يوحي إلى حياة السذج بالأساطير وما فيها من خيال وسلوى؛ ويهب النفس الذليلة المعونة والراحة واللتين لا تجرؤ على انتظارهما من كائن أعلى رهيب بعيد لا تستطيع الوصول إليهِ (١).
وكان لكل إله من الآلهة أسطورة (Mythos) أي قصة، متصلة به تشرح سبب وجوده في حياة المدينة، أو تفسر الطقوس التي تقام تكريماً له.
(١) لا نوافق المؤلف على قوله إن الشرك فطرة فطر الناس عليها إلا إذا كان يقصد بالفطرة صفة الإنسان الجاهل الساذج صاخب العقل غير المستنير. ودليلنا على هذا نزعة الإنسان إلى الإيمان بوحدانية الله واقترابه من هذه الوحدانية بقدر استنارة عقله. كذلك لا تر ما يراه من أن النفس البشرية لا تجد المعونة والراحة إلا في الأساطير وفي الشرك، بل معتقد أن في وسعها أن تجدهما في رعاية الله الرحمن الرحيم القريب من عباده المجيب لدعوة الداعي إذا دعاه. (المترجم)