خشية ألا يحب الإله هذه البدعة أو ألا يفهمها. فقد تتغير اللهجات الحية ولكن لغة الطقوس تظل على حالها، وقد لا يستطيع المتعبدون على مر الزمان أن يفهموا الألفاظ التي ينطقون بها ولكن النشوة التي يبعثها فيهم قدم العهد كانت تُغنيهم عن الفهم. وكثيراً ما كان الاحتفال يبقى بعد أن ينمحي من ذاكرة المحتفلين كل شيء عنه، ولا يبقى فيها حتى سبب هذا الاحتفال أو الباعث عليه. فإذا حدث هذا اخترعت أساطير جديدة تفسر قيامه فتتغير الأسطورة أو العقيدة وتبقى المراسم والطقوس، وكانت الموسيقى عنصراً أساسياً لا غنى عنه في الاحتفال كله لأن الدين يشق على النفس من غير الموسيقى، والموسيقى تنتج الدين كما ينتج الدين الموسيقى. ومن الهيكل وأناشيد الاحتفالات؛ نشأ الشعر، ونشأت القصائد التي ازدانت بها في الأيام الأخيرة عقائد أركلوكس القوية البذيئة، وعواطف سافو الثائرة المستهترة، وأشعار أنكريون الرقيقة الفاجرة.
وإذا ما وصل العابدون إلى المذبح- وكان موضعه عادة أمام الهيكل- عملوا على اتقاء غضب الله أو كسب معونته بالتضحيات والصلوات. وكان في وسعهم أفراداً أن يقربوا إليه كل ما له قيمة لا يكاد يستثنى من ذلك شيء قط: تماثيل، أو نقوشاً، أو أثاثاً، أو أسلحة، أو آنية، أو مناضد، أو ثياباً، أو فخاراً؛ فإذا لم يستطع الإله أن يستخدم هذه القرابين استخدمها الكهنة.
أما الجيوش فقد كان في وسعها أن تهب الإله جزءاً من غنائمها، كما فعل جنود أكسنوفون العشرة الآلاف في أثناء ارتدادهم. وكان في مقدور الجماعات أن تهبه ثمار الحقول أو الكروم أو الأشجار؛ أو حيواناً يشتهي الإله طعمه وهو الكثير الحدوث؛ وعند مسيس الحاجة كان يضحى بالآدميين أنفسهم، فقد ضحى أجمنون مثلاً بإفجينيا كي تهب الريح؛ وذبح أخيل اثني عشر من شباب طروادة على كومة حريق بتركلوس. وكان الضحايا الآدمية يُقذف بهم من فوق صخور قبرص ولوكاس استرضاءً لأبلو، وآخرون يهدون إلى ديونيسس في