أثر القاتل، كما يفعل أرستيز، حتى يجن أو يموت. وكان الدين يخلع القدسية والكرامة على أهم أجداث الحياة الإنسانية وأنظمها- كالمولد، والزواج، والأسرة، والعشيرة، والدولة-، وينتشلها من فوضى الشهوات العاجلة. وكانت عبادة الموتى وتكريمهم يربطان الأجيال المتعاقبة برباط من الواجبات المستقرة المتصلة. وبفضلها لا تقتصر الأسرة على أن تكون زوجاً وزوجة معهما أطفال، أو مجموعة أبوية من الآباء والأطفال والأحفاد، بل تصبح فضلاً عن هذا اتحاداً مقدساً وتتابعاً مستمراً للدم والنار، ترجع أصولها إلى الماضي السحيق وتمتد أغصانها إلى المستقبل البعيد، وتربط الموتى والأحياء ومن لم يخرجوا بعد إلى هذا العالم برباط مقدس أقوى من رباط الدولة مهما قويت. وكان إنجاب الأطفال واجباً مقدساً موتي يفرضه الدين على الأحياء، ثم لا يكتفي بهذا بل يشجع على النسل بأن يدخل في روع من لا أبناء له أنه قد لا يجد من يواري جسمه التراب أو يعني بقبرهِ بعد وفاته. وقد ظل اليونان بكثرة خيارهم وشرارهم على السواء طالما كان للدين أثر في حياتهم، وكان من نتيجة هذه الكثرة مضافاً إليها الانتخاب الطبيعي الصارم أن احتفظ اليونان بقوتهم ومميزاتهم. وكان الدين والوطنية تربطهما مئات من الطقوس الرهيبة المؤثرة، فكإن أكثر الآلهة والإلهات احتراماً في الاحتفالات العامة بطل المدينة المؤله أو بطلتها المؤلهة؛ وكان كل قانون وكل اجتماع للجمعية أو لدور القضاء، وكل عمل خطير يقدم الجيش أو الحكومة، وكل مدرسة وجامعة، وكل هيئة اقتصادية أو سياسية، كانت هذه كلها تحيط بها الاحتفالات والتضرعات الدينية. وبهذه الوسائل كلها كان الدين اليوناني يستخدم لحماية المجتمع والشعب من أنانية الفرد الغريزية. وقوت الفنون والآداب والفلسفة هذا الأثر الديني في بادئ الأمر، ثم عملت بعدئذ