كانت رسوماً هندسية، فجذع التمثال العلوي كان مثلث الشكل، وفخذاه وساقاه كانت مخروطية. وانتشر هذا الطراز الهين من الزينة في جميع بلاد اليونان، وكان هو الذي حدد صورة المزهريات الدبيلونية (١) Dipylon في أثينة. ولكن الآنية الضخمة (التي كانت تصنع في العادة لتوضع فيها جثث الموتى) كانت ترسم عليها بين خطوط الأشكال الهندسية صور جانبية لوجوه النائحين، وعربات، وحيوانات غاية في السماجة. فلما آذن القرن الثامن بالانتهاء رسمت على الفخار اليوناني صور حية أكثر من الصور السابقة، واستعمل لونان لأرضية الصور، واستبدلت الدوائر بالخطوط المستقيمة، وظهر على الصلصال سعف النخل، والأزورد، والجياد القافزة، والآساد المصيدة، وحلت الزخارف الشرقية محل الطراز الهندسي الساذج.
وأعقب ذلك العصر عصر مليء بالتجارب غمرت فيه ميليتس السوق بمزهرياتها الحمراء، وساموس بمصنوعاتها المرمرية، ولسبوس بآنيتها السوداء، ورودس بآنيتها الحمراء، وكلزميني Clezomenae بآنيتها الرمادية اللون، وأصدرت فيه نقراطس الخزف الدقيق الملون والزجاج نصف الشفاف. واشتهرت إرثيرا Erythra برقة مزهرياتها، وكلسيس Chalcis ببريقها وحسن صقلها، وسكيون Siycon وكورنثة بقوارير الرائحة الدقيقة الصنع، والأباريق ذات الرسوم المتقنة الأنيقة الشبيهة بمزهريات شيجي Chigi في رومة. وقامت بين صناع الخزف في المدن المختلفة منافسة قوية، وكانت هذه المدينة أو تلك تجد مشترين لخزفها في كل ثغر من ثغور البحر الأبيض المتوسط، وفي الروسيا، وإيطاليا، وبلاد غالة. وخيل إلى مدينة كورنثة في القرن السابع أنها فازت على منافساتها في هذه الحرب الخزفية، فقد كانت مصنوعاتها في كل مكان وفي يد كل إنسان، وكان صناع الفخار فيها قد كشفوا طرقاً جديدة للحفر والتلوين، وابتكروا كثيراً من الأشكال الجديدة؛
(١) سميت كذلك لأن الجزء الأكبر منها عثر عليه قرب باب المدينة المزدوج.