الصانعان أشهر صناع طراز الرسوم السوداء في أتكا في القرن السادس. ولا حاجة بنا إلى المبالغة في جودة صنع الإناء، فهو لا يضارع في فكرته ولا في إخراجها خير الأواني الباقية من عهد أسرة تانج أو سونج الصينيتين؛ غير أن الفنان الصيني كان له غرض يختلف عن غرض الفنان الشرقي، فلم يكن همه الأول هو الألوان بل الخطوط، ولا النقش بل الشكل. ولذلك كانت الرسوم التي على الآنية اليونانية رسوماً صورها العرف، وثبت طرازها فجعلها ضخمة ضخامة غير عادية في الكتفين دقيقة في الساقين. وإذا كان هذا الطراز قد ظل سائداً طوال عهد اليونان الزاهر فمن واجبنا أن نفترض أن الخزاف اليوناني لم يكن يفكر قط في الدقة الواقعية، فكأنه في فنه هذا يقرض الشعر لا يكتب النثر، ويخاطب الخيال لا العين، ولهذا السبب عينه لم يتوسع فيما يستخدمه من المواد أو الألوان. فقد استخدم صلصال السرمكوس Ceramicus الأحمر اللطيف، وهدأ لونه باللون الأصفر، وصغر الرسوم بعناية، وملأ ما بين الخطوط باللون الأسود الزجاجي البراق، فاستحالت الأرض على يديه آنية موفورة العدد تقترن فيها المنفعة بالجمال، منها أباريق ماء، وقوارير ذات مقبضين، ودنان خمر وأقداح، وآنية خلط، وقنينات عطر. وكان هو الذي فكر في التجارب، وابتكر الموضوعات، وابتدع الأعمال الفنية التي أخذها عنه صانعو البرونز، والمثالون، والرسامون. وهو الذي قام بالتجارب الأولى في رسم المناظر فنياً كما تبدو بحجمها الطبيعي للعين، وفي فن المنظور، وتوزيع الظلال، وعمل النماذج (٥٥). وقد مهد السبيل لنحت التماثيل بأن صنع من الطين المحروق صوراً لما لا يحصى من الموضوعات والأشكال، وحرر فنه من الرسوم الهندسية الدورية ومن المغالاة الشرقية، وجعل صور الآدميين مصدر حياته ومحورها الذي تدور عليه. ومل الخزاف الأثيني قبيل الربع الأخير من القرن السادس الرسوم السوداء على الأرضية الحمراء، فعكس الوضع وابتدع طراز الرسوم الحمراء الذي