من العلم كحظ أغاني سمنيدس؛ وما من شك في أن الأغاني الخليعة والأغاني الراقية قد جاءت كلتاهما إلينا من أقدم العصور.
وكانت أرقى أنواع الموسيقى في اعتقاد اليونان وفي حياتهم العملية الغناء الجماعي؛ وقد أكسبوا هذا النوع من الغناء عمق الفلسفة وتعقيد التركيب، وهما الصفتان اللتان أخذتا تجدان لهما مكاناً في السمفونية والمقطوعات الموسيقية، وكان في كل احتفال- سواء أكان احتفالاً بحصاد، أم بنصر، أم بزواج، أم بيوم مقدس، مكان لجوقة غنائية؛ وكانت المدن والجماعات المختلفة تقيم من حين إلى حين مباريات في الغناء الجماعي تعد له العدة في معظم الأحيان قبل موعده بزمن طويل، فيعين مؤلف لكتابة الألفاظ والموسيقى، ويطلب إلى رجل مثرٍ أن يتكفل بالنفقات، ويستأجر المغنون المحترفون، ويعنى كل العناية بتدريب الجوقة. وكان المغنون كلهم يغنون نغمة واحدة، كما نشاهد الآن في موسيقى الكنيسة اليونانية، ولم يكن هناك (صوت منفرد) في الفرقة سوى ما حدث في القرون المتأخرة من ارتفاع صوت المصاحب خُمساً فوق الصوت أو انخفاض عنه بهذا القدر، أو من معارضته. ويبدو أن هذا هو أقرب ما وصل إليه اليونان في التوافق والألحان التوافقية البسيطة (٧٨).
أما الرقص في أرقى صوره فقد مزج بالغناء الجماعي حتى صار فناً واحداً، كما أن كثيراً من أنواع الموسيقى الحديثة ومصطلحاتها كانت فيما مضى متصلة بالرقص (١)، ولم يكن الرقص يقل في قدمه وانتشاره عن الموسيقى عند اليونان. ولما عجز لوسيان عن تتبع نشأته على سطح الأرض حاول أن يجدها في حركة النجوم المنتظمة (٨٠). ولا يكتفي هومر بأن يحدثنا عن المرقص الذي صنعه ديدلوس
(١) من ذلك أن الكلمة الإنجليزية toot المقابلة للوتد في الشعر مأخوذة في الأصل من الرقص المصاحب للموسيقى (٧٩)؛ وكان اليونان يفهمون من لفظ أركسترا طواراً للرقص على هيئة مسرح في العادة.