ومنها أن من القوانين التي تكاد تتحكم في التاريخ أن الشمال الخشن ذا النزعة الحربية، ينتصر دائماً على الجنوب اللين السهل مبدع الفنون.
في عام ٥١٢ قبل الميلاد عبر دارا الأول ملك الفرس مضيق البسفور وغزا سكوذيا، ثم زحف غرباً وفتح تراقية ومقدونية، ولم يعد إلى عواصم ملكه إلا بعد أن وسع رقعة إمبراطوريته حتى شملت فارس، وبلاد الأفغان، وشمالي الهند، والتركستان، وأرض الجزيرة، وشمالي بلاد العرب، ومصر، وقبرص، وفلسطين، وسوريا، وآسية الصغرى، وشرقي بحر إيجة وتراقية، ومقدونية. وكانت نتيجة هذه الفتوح أن أعظم الإمبراطوريات التي شهدها العالم حتى ذلك الوقت قد وسعت رقعتها أكثر مما يجب عليها أن توسعها، حتى ضمت إليها فاتحيها في المستقبل وأيقظتهم من سباتهم، ولم يبق من الأمم الكبرى في خارج هذا النظام الشامل من نظم الحكم والتجارة إلا أمة واحدة هي أمة اليونان، التي لم يكد دارا يسمع شيئاً عنها خارج أيونيا قبل عام ٥١٠ ق. م؛ وقد سأل مرة عن "الأثينيين - من هم (٢)؟ ". وحدث في عام ٦٠٥ أن قامت ثورة في أثينة انتهت بخلع الطاغية هيباس، ففر إلى المرزبان الفارسي في سرديس وتوسل إليه أن يعينه على استرداد سلطانه، وعرض عليه إذا استرده أن يتولى حكم أتكا من قبل الفرس.
وكان ذلك إغراءً قوياً زاده قوة تحرش مؤقت. ذلك أن المدن اليونانية التي ظلت خاضعة لسلطان الفرس نحو خمسين عاماً ثارت فجأة على ولاتها من قبل الفرس، وطردتهم منها وأعلنت استقلالها. وذهب أرستجراس الميليتي إلى إسبارطة يستمد منها العون، ولكنه لم يفلح في بغيته، فجاء إلى أثينة، وهي المدينة الأصلية التي نشأ منها كثير من المدن الأيونية، ومازال يلح عليها حتى أقنعها بأن ترسل عمارة بحرية مؤلفة من عشرين سفينة لمساعدة الثوار. وكان الأيونيون في هذه الأثناء يعملون بعنف وبغير نظام هما من خصائص اليونان