شعلة من الذكاء والمقدرة لا يقل في ذلك عن ألسبيديز الذي عاش في عصر متأخر عنه. ويقول فيه ثوسيديدس (١٢) وهو المعروف دائماً باعتداله: "إنه خليق بأن نعجب به إعجاباً خارقاً للعادة منقطع النظير". وقد أنقذ أثينة كما أنقذها ملتيادس، ولكنه لم يستطع إنقاذ نفسه؛ وكان في مقدوره أن يقهر إمبراطورية عظيمة، ولكنه لم يكن في وسعه أن يقهر ما في نفسه من شهوة السلطان، "وكان يتلقى بمضض وعدم عناية"، كما يقول بلوتارخ، ما يسدى إليه من النصح لتقويم المعوج من أخلاقه وسلوكه، ولا يقبل أن يعلمه أحد شيئاً من الرقة والمجاملة للناس؛ ولكنه حتى بعد أن تقدمت به السن كان يعني بكل ما يقال له إذا كان يهدف إلى إصلاح عقله، أو يزيد من قدرته على تصريف شئون الدولة، وهو واثق من قدرته الطبيعية في هذه الأمور" (١٣). وكان من سوء حظ أثينة أن ثمستكليز وأرستيديز قد أحبا معاً فتاة واحدة هي استسلوس الكيوسية Stesilaus of Ceos، وأن ما ولده هذا الحب من حقد كل منهما على الآخر لم يزُل بعد أن زال الجمال الذي أشعل النار في قلبيهما (١٤). بيد أن ثمستكليز كان هو الذي أعد العدة للنصر في سلاميس وأحرز هذا النصر بما أوتي من همة وفراسة. وكانت موقعة سلاميس أهم الوقائع الحاسمة في تاريخ اليونان كله. ذلك أنه قد أعد منذ عام ٤٩٣ مشروع إنشاء مرفأ جديد لأثينة في بيريه، وشرع في إنشائه بالفعل. وفي عام ٤٨٣ أقنع الأثينيين بأن ينزلوا عن نصيبهم في مال كان سيوزع عليهم من محصول مناجم الفضة في لوريوم Laurium، وأن يخصصوا المال لإنشاء مائة سفينة حربية من ذوات الثلاثة صفوف من المجاديف. ولو لم ينشئ الأثينيون هذه السفن لما استطاعوا مقاومة خشيارشاي.