عام. وكان وجوده برهاناً يثبت به التاريخ المبدأ القائل إن خير وسيلة لتنفيذ الإصلاحات القائمة على أسس الحرية وأضمن الطرق لتثبيت هذه الإصلاحات وتقوية دعائمها هي أن يتولاها زعيم حذر معتدل، يستمتع بتأييد الشعب. ومن أجل ذلك بلغت الحضارة اليونانية أعلى درجاتها حين نمت الدمقراطية نمواً يكفي لأن يكسبها قوة وتعدداً في نواحي نشاطها، وبقي فيها من الأرستقراطية ما يكسبها حسن النظام وسلامة الذوق.
وأدت إصلاحات بركليز إلى زيادة سلطة الشعب زيادة عظيمة. ذلك أن عدم أداء أجور للقضاة نظير عملهم في المحاكم كان قد أكسب الطبقات الثرية سلطاناً عظيماً فيها وإن كانت سلطتهم قد زادت من قبل في عهد صولون وكليسثنيز وإفيلتيز. وأدرك بركليز هذا، فقرر في عام ٤٥١ أبولتين Obols أي ما يعادل ٣٤ slash ١٠٠ من الريال الأمريكي لكل قاض عن كل يوم يجلس فيه للقضاء، ثم رفع هذا الأجر بعدئذ إلى ثلاث أبولات، وكان هذا الأجر في كلتا الحالتين يعادل وقتئذ نصف ما يكسبه الأثيني العادي من عمله اليومي (١٣). ولسنا نستطيع أن نحمل محمل الجد قول بعضهم: إن هذه الأجور القليلة أضعفت قوة أثينة وأفسدت أخلاق أهلها؛ لأن هذا لو صح لقضى من وقت بعيد على كل دولة تؤجر قضاتها أو محلفيها. ويلوح أن بركليز قرر كذلك مكافأة قليلة لمن ينخرطون في سلك الخدمة العسكرية. وقد توج كرمه الذي يعيبه عليه بعض الناس بأن خصص من مال الدولة أبولتين في العام لكل مواطن من مواطنيها يؤديها أجراً لدخوله لمشاهدة ما يعرض من المسرحيات والألعاب في الأعياد العامة، وحجته في هذا أن هذه المسرحيات والألعاب يجب ألا تكون ترفاً تختص به الطبقات العليا والوسطى، بل يجب أن تهدف إلى رفع مستوى الناخبين العقلي على بكرة أبيهم. على أننا يجب أن نذكر في هذا المقام أن أفلاطون، وأرسطاطاليس، وبلوتارخ - وهم جميعاً محافظون - مجمعون على أن هذه الأجور أضرت بأخلاق الأثينيين (١٤).