للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعاقب عليها بمصادرة الأموال والإعدام معاً؛ ولكن كان من المستطاع عادةً تجنب الحكم بالإعدام قبل صدوره، بالنفي الاختياري وترك الأملاك. وإذا رأى المتهم أن الهرب يزري به، وكان مواطناً، نُفذ فيه الإعدام بأقل الوسائل إيلاماً له، وذلك بأن يقدم له عصير الشوكران، وهو العقار الذي يخدر الجسم تدريجا ابتداءً من القدمين إلى أعلى أجزاء الجسم، ثم يقضي على من يتعاطاه حين يصل إلى قلبه. أما الأرقاء فقد كانت عقوبة الإعدام تنفذ فيهم أحياناً بالضرب الوحشي (٤٨). وكان يحدث أحياناً أن يُلقى المحكوم عليه قبل إعدامه أو بعده من فوق صخرة عالية إلى حفرة تعرف عندهم باسم البرثرون Barathron. وإذا ما صدر الحكم بإعدام قاتل نفذ بحضور أقارب المقتول استجابةً لعادة الانتقام القديمة في مظهرها وروحها.

ولم تبلغ الشرائع الأثينية ما كنا نتوقعه لها من الاستنارة، وهي لا تسمو كثيراً عن شرائع حمورابي؛ وعيبها الأساسي أنها تُقصر الحقوق القانونية على الأحرار الذين لا يكادون يتجاوزون سبع السكان، وحتى النساء والأطفال كانوا خارجين عن نطاق المواطنين أصحاب الحقوق. ولم يكن في وسع النزلاء، أو الأجانب، أو الأرقاء أن يرفعوا الدعاوى إلى المحاكم إلا عن طريق مواطن يأخذهم في كنفه. وكان ابتزاز المال بطريق الإرهاب، وتعذيب العبيد المتكرر، والحكم بالإعدام في كثير من الجرائم الصغرى، والشتائم الشخصية في المناقشات القضائية، وتشتت التبعة القضائية وإضعافها بسبب هذا التشتت، وتأثر المحلفين بالبلاغة الخطابية، وعجزهم عن الحد من انفعال الساعة بعلمهم بماضي القضية وتقديرهم الحكيم لنتائجها المستقبلية، كان هذا كله وصمة لنظام أثينة القضائي، الذي كانت تحسدها عليه سائر بلاد اليونان للينه وعدالته إذا قيس إلى غيره من النظم القضائية، والذي كان نظاماً عملياً موثوقاً به إلى حد أمكنه أن يبسط حمايته على الحياة وعلى الأملاك، وهي الحماية التي لا غنى عنها للنشاط الاقتصادي والرقي الأخلاقي. وفي وسعنا أن نقدر ما كان للقانون الأثيني من شأن عظيم إذا عرفنا