حماية الوفود والحجاج الذاهبين إلى مشاهدة الأعياد اليونانية الجامعة، وفي فرض صدور إعلان رسمي بالحرب قبل بدء القتال، وفي قبول الهدنة إذا طلبها أحد الطرفين المتقاتلين لإعادة من يُقتلون في المعارك إلى بلادهم ودفنهم. وكانت الأسلحة المسمومة لا تستعمل بحكم العادة المألوفة، وكان الأسرى عادةً يُتبادلون أو يُفتدون، وكان الفداء المعترف به ميناءين - ثم أصبح ميناء واحدة (نحو مائة ريال أمريكي) - لكل أسير (٥٣). وكانت المعاهدات كثيرة العدد، وكان المتعاهدون يُقسمون الأيمان المغلظة على احترام نصوصها، ولكنها كانت تخرق على الدوام تقريباً. وكانت المحالفات كثيرة، وكانت تؤدي أحياناً إلى إيجاد أحلاف دائمة، كحلف دلفي الاثني عشري (الأمفكتيوني) في القرن السادس، والحلفين الآخي والإيتولي في القرن الثالث. وكانت مدينتان في بعض الأحيان تجامل كلتاهما الأخرى بأن تمنح أحرار أختها حقوق المواطنين فيها. وكان التحكيم الدولي يحدث أحياناً، ولكن كان في وسع الطرفين المحتكمين أن يرفضا نتيجته أو يتجاهلاها. ولم يكن اليوناني يشعر بأي التزام أدبي نحو الأجانب أو بأي التزام قانوني إلا إذا كان بلداهما مرتبطين بمعاهدة، وكان هؤلاء في عرفه برابرة (Barbaroi) (١) . ولم يكن اليونان يقصدون بذلك أنهم "همج". Barbarian بالمعنى الذي نفهمه نحن من هذا اللفظ بالضبط، بل كانوا يفهمون منه "الأجانب" أو الغرباء الذين يتكلمون لغة غريبة غير مألوفة. ولم ترقَ بلاد اليونان الرقي الذي تدرك به وجود قانون أخلاقي يشمل الجنس البشري بأكمله إلا على يد الفلاسفة الرواقيين في العصر الذي اصطبغت فيه بلاد الشرق الأدنى بالصبغة اليونانية العالمية.
(١) هذه الكلمة وثيقة الصلة بكلمة بربرة Barbara السنسكريتية وكلمة بلبوس Balbus اللاتينية، وكلتاهما تعني التمتمة أو التلعثم في النطق. قارن أيضاً لفظ Babble الإنجليزي. وكان اليونان يفهمون من لفظ بربروس Barbaros غرابة الحديث أكثر مما يفهمون منه نقص الحضارة، ويستعملون لفظ بربرزموس Barbarismos في المعنى الذي نستعمل فيه نحن تقليداً لهم لفظ Barbarism أي تشويه الأجنبي أو نصف الأجنبي للمصطلحات اللغوية عند إحدى الأمم.