والحذاءون، وكان من صانعي السروج مَن لا يصنعون إلا الأعنة ومن الحذائين مَن اختصوا بصنع أحذية الرجال أو النساء. وكان من المشتغلين بحرف البناء نجارون وصانعون للقوالب، وقاطعون للأحجار، ومشتغلون بالمعادن، ومصورون، وطالون للجدران والأخشاب. وكان فيها حدادون وصانعون للأسياف والدروع، والمصابيح، والقيثارات، والطحّانون، والخبازون، والوزامون والسماكون- وجملة القول أنها كانت تحتوي على كل ما تطلبه الحياة الاقتصادية الكثيرة العمل المتنوعة الأشكال، غير الآلية أو المملة. وكانت المنسوجات العادية لا تزال حتى ذلك الوقت تُنسج في المنازل، ففيها كان النساء ينسجن، ويصلحن ثياب الأسرة وفراشها، ومنهن مَن يمشطن الصوف أو يدرن عجلة الغزل، ومنهن مَن يتعهدن الأنوال ومَن ينحنين أمام إطار التطريز. أما المنسوجات الخاصة فكانت تُشترى من المصانع أو تُستورد من خارج البلاد- فالأقمشة التيلية الرقيقة كانت تَرد من مصر، وأمرجوس Amorgos، وتارنتم؛ والأقمشة الصوفية المصبوغة من سراقوصة، والبطاطين من كورنثة، والطنافس من الشرق الأدنى وقرطاجة، وأغطية الفراش الملونة من قبرص وتعلمت نساء كوس في أواخر القرن الرابع حل شرانق دود القز وغزل خيوط الحرير. وأتقنت النساء في بعض المنازل فنون النسيج إتقاناً أمكنهن أن ينتجن أكثر من حاجة أسرهن، فكن يبعن ما زاد على حاجتهن إلى المستهلكين في بادئ الأمر، ثم إلى الوسطاء؛ وكن يستعن بمن يساعدهن، من المعاتيق أو الأرقاء، ونشأت على هذا النحو صناعة منزلية كانت هي الخطوة الأولى في سبيل نظام المصانع.
وبدأ هذا النظام يتشكل في عصر بركليز، وكان بركليز نفسه، كما كان ألسبيديز، يمتلك مصنعاً، ولم تكن هناك آلات، ولكن كان في الاستطاعة الحصول على كثير من العبيد؛ وكان رخص القوة العضلية سبباً في انعدام الحافز