وقدماه عارية، وساقاه قصيرتان ضخمتان يغطيهما ثوب نصفي مطرز بطائفة كبيرة من الكتابة المقدسة. وتدل ملامحه القوية المتناسبة على أنه رجل مفكر، عادل، حازم، دمث الأخلاق. وكان رعاياه يجلونه، لا لأنه جندي محارب، بل لأنه فيلسوف مفكر أشبه ما يكون بالإمبراطور ماركس أوريليوس الروماني، يختص بعنايته الشؤون الدينية والأدبية والأعمال النافعة الإنشائية، شاد المعابد، وشجع دراسة الآثار القديمة بالروح التي تدرسها بها البعثات التي كشفت عن تمثاله، ويحد من سلطان الأقوياء رحمة بالضعفاء. ويفصح نقش من نقوشه التي عثر عليها عن سياسته التي من أجلها عبده رعاياه واتخذوه إلهاً لهم بعد موته:"في خلال سبع سنين كانت الخادمة نداً لمخدومتها، وكان العبد يمشي بجوار سيده، واستراح الضعيف في بلده بجوار القوي"(١٩).
وفي هذه الأثناء كانت "أور مدينة الكلدان" تنعم بعهد من أكثر عهودها الطوال رخاءً وازدهاراً، امتد من عام ٣٥٠٠ ق. م "وهو على ما يلوح عهد أقدم مقابرها" إلى عام ٧٠٠ ق. م وأخضع أعظم ملوكها أور- انجور جميع بلاد آسيا الغربية ونشر فيها لواء السلام وأعلن في جميع الدولة السومرية أول كتاب شامل من كتب القانون في تاريخ العالم. وفي ذلك يقول:"لقد أقمت إلى أبد الدهر صرح العدالة"(٢٠). ولما زادت ثروة أور بفضل التجارة التي انصبت إليها صبا عن طريق نهر الفرات فعل فيها ما فعل بركليز بأثينا من بعده فشرع يجملها بإنشاء الهياكل، وأقام فيها وغيرها من المدائن الخاضعة له أمثال لارسا وأوروك ونبور كثيراً من الأبنية. وواصل ابنه دنجى طوال حكمه الذي دام ثمانية وخمسين عام أعمال أبيه، وحكم البلاد حكماً عادلاً حكيماً، جعل رعاياه يتخذونه من بعد موته إلهاً، ويصفونه بأنه الإله الذي أعاد إليهم جنتهم القديمة.
لكن سرعان ما أخذ هذا المجد يزول، فقد انقض على أور التي كانت تنعم