لكن النقل البري أخذ ينمو وينتشر، وشاهد ذلك ما كشفته بعثة أكسفورد في كش من مركبات هي أقدم ما عرف من المركبات ذات العجلات في تاريخ العالم (٢٩). وقد عثر في أماكن متفرقة على أختام يستدل منها على وجود صلات تجارية بين سومر وبين مصر والهند (٣٠). ولم تكن النقود قد عرفت في ذلك الوقت، ولهذا كانت التجارة تتبادل عادةً بطريق المقايضة، ولكن الذهب والفضة كانا يستعملان حتى في ذلك الوقت البعيد لتقدير قيم البضاعة، وكانا يقبلان في العادة بدلاً من البضائع نفسها - إما على هيئة سبائك وحلقات ذات قيم محدودة وإما بكميات تقدر قيمتها حسب وزنها في كل صفقة تجارية. وكانت الطريقة الثانية أكثر الطريقتين استعمالاً. وإن كثيراً من ألواح الطين التي وصلت إلينا وعليها بعض الكتابات السومرية لهي وثائق تجارية تكشف عن حياة تجارية جمة النشاط. ويتحدث لوح من هذه الألواح في لغة تدل على الملل والسآمة عن "المدينة التي تعج بضوضاء الإنسان". وكان لديهم عقود مكتوبة موثقة يشهد عليها الشهود، ونظام للائتمان تقرض بمقتضاه البضائع والذهب والفضة، وتؤدي عنها فوائد عينية يختلف سعرها من ١٥% إلى ٣٣% في السنة (٣١). ولما كان استقرار المجتمع يتناسب إلى حد ما تناسباً عكسياً مع سعر الفائدة فإن لنا أن نفترض أن التجارة السومرية كانت كتجارتنا يحيط بها جو من الارتياب والاضطراب الاقتصاديين والسياسيين.
وقد وجدت في المقابر كميات كبيرة من الذهب والفضة منها ما هو حلي ومنها ما هو أوانٍ وأسلحة وزخارف، بل إن منها ما هو عدد وآلات. وكان أهل البلاد الأغنياء منهم والفقراء ينقسمون إلى طبقات ومراتب كثيرة، وكانت تجارة الرقيق منتشرة بينهم وحقوق الملكية مقدسة لديهم (٣٢). ونشأت بين الأغنياء والفقراء طبقة أفرادها من صغار رجال الأعمال وطلاب العلم والأطباء والكهنة. وقد علا شأن الطب عندهم فكان لكل داء دواء خاص، ولكنه ظل يختلط