أرادوا بهذا أن يدلوا الناس على طبيعة أولئك الأقوام الوحشية غير المروضة أو يوحوا بأن القناطرة كانوا فرساناً مهرة إلى حد يخيل معه إلى من رآهم أن الفارس هو وفرسه حيوان واحد. وسكر أولئك الفرسان في أثناء الوليمة وحاولوا أن يختطفوا النساء اللبيثيات، لكن اللبيثيين دافعوا عن نسائهم دفاع الأبطال وهزموا القناطرة (ولم يمل الفنانون اليونان تصوير هذه القصة، ولعلهم كانوا يرمزون بها إلى تنظيف الغابات من الحيوانات البرية وإلى الكفاح القائم بين طبيعتي البشر الإنسانية والحيوانية). والأشكال المصورة على القوصرة الشرقية عتيقة الطراز جامدة ساكنة، أما التي على القوصرة الغربية فإن من أصعب الأمور أن يعتقد الإنسان أنها عملت في نفس هذا العصر، ذلك بأنها نشيطة تنبض بالحياة، وتدل على تمكن ناضج من التأليف بين المجاميع. وإن كان بعضها فجاً، وإن كان الشَّعر قد مثل على النمط الذي جرى به العرف في الزمن القديم. أما العروس فذات جمال بارع يثير الدهشة، فهي امرأة نحيفة في غير ضعف، كاملة النمو، جميلة المحيا، جمالاً لا نعجب إذا قامت بسببه الحرب بين الطائفتين المتقاتلتين. ونرى قنطروساً ملتحياً يطوق خصرها بذراعه، ويضع إحدى يديه على صدرها، ويوشك أن يختطفها من دار عرسها، ولكن الفنان مع هذا يصورها هادئة الملامح ساكنة سكوناً يظن الإنسان معه أنه قد قرأ لسنج Lessing أو ونكلمان، أو أنها ككل الغواني يغرها الثناء عليها والرغبة فيها. وأقل من هذه الصور شأناً وأصغر منها حجماً، وإن كانت أحسن منها صقلاً، الأجزاء الباقية من جبهة الهيكل، وهي التي تروي بعض أعمال هرقل الأسطوري، فتصور بعضُها هرقل يرفع العالم لأطلس. وقد أجاد الفنان في هذا كل الإجادة، فليس هرقل هنا جباراً شاذاً مخالفاً للمألوف، مفتول العضلات المحيطة بجسمه كأنها قدت من الحجر الصلد، بل هو رجل كامل النمو، متناسق الجسم، وقد وقف أمامه أطلس له رأس لو أنه وضع على كتفي أفلاطون لزانهما.