للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أوقات مختلفة بين القرنين الخامس والثاني قبل الميلاد (٤٩). وفي هذه المجموعة قدر غير قليل من السخف والهذيان، ولكن أكبر الظن أنه ليس أكثر مما سيجده علماء المستقبل في رسائل هذه الأيام وتواريخها. وكثير من المعلومات التي في هذه الكتب والرسائل شذرات متفرقة، موضوعة في صورة حكم وقواعد مفككة تقترب بين الفينة والفينة من الغموض الذي يلازم كتابات الفيلسوف هرقليطس. ومن بين "حكم" أبقراط تلك العبارة الذائعة الصيت: "الفن طويل، ولكن الوقت يمر مر السحاب" (٥٠).

وأكبر فضل لأبقراط وخلفائه أنهم حرروا الطب من الدين والفلسفة. نعم إنهم يشيرون في بعض الأحيان بأن يستعين المريض بالصلاة والدعاء، كما نرى ذلك في كتاب "التنظيم"، ولكن النغمة السارية في صفحات المجموعة كلها هي وجوب الاعتماد الكلي على العلاج الطبي. وتهاجم رسالة "المرض المقدس" صراحة النظرية القائلة بأن الأمراض ترسلها الآلهة، ويقول مؤلفها إن للأمراض جميعها عللاً طبيعية بما في ذلك الصرع نفسه الذي يفسره الناس بأنه تقمص الشيطان جسم المريض: "وما زال الناس يعتقدون بأنه من عند الآلهة، لعجزهم عن فهمه … ويتوارى المشعوذون والدجالون وراء الخرافات ويلجأون إليها لأنهم لا يجدون علاجاً ناجعاً لهذا الداء، ومن أجل هذا يطلقون عليه اسم المرض المقدس حتى لا ينكشف للناس جهلهم الفاضح" (٥١) وكانت روح العصر البركليزي تتمثل أوضح تمثيل في عقلية أبقراط، فقد كان واسع الخيال ولكنه واقعي، يكره الخفاء، ولا يطيق الأساطير، يعترف بقيمة الدين ولكنه يكافح لفهم العالم على أساس العقل والمنطق. وإنا لنحس بأثر السوفسطائيين في الحركة التي تهدف إلى تحرير الطب، والحق أن الفلسفة قد أثرت في طرق العلاج اليونانية تأثيراً بلغ من قوته أن قام النزاع بين العلم والفلسفة كما قام بينه وبين العقبات التي يضعها الدين في سبيله. ويقول أبقراط، ويصر