المتصرفين في معظم الشئون، حتى ليصعب علينا أن نحكم إلى أي حد كان الباتيسى كاهنا- وإلى أي حد كان ملكاً.
فلما أسرف الكهنة في ابتزاز أموال الناس نهض أوروكاجينا كما نهض لوثر فيما بعد، وأخذ يندد بنهمهم وجشعهم، ويتهمهم بالرشوة في توزيع العدالة، وبأنهم يتخذون الضرائب وسيلة يبتزون بها من الزراع والصيادين ثمرة كدهم. وأفلح وقتا ما في تطهير المحاكم من هؤلاء الموظفين المرتشين الفاسدين، وسن قوانين لتنظيم الضرائب والرسوم التي تؤدى للمعابد، وحمى الضعفاء من ضروب الابتزاز، ووضع الشرائع التي تحول دون اغتصاب الأموال والأملاك (٤٣). لكن العالم كان قد عمر حتى شاخ، وتأصلت فيه الأساليب القديمة التي غشاها الزمان بشيء من التبجيل والتقديس.
واستعاد الكهنة سلطانهم بعد موت أورو- كاجينا كما استعادوا سلطانهم في مصر بعد موت إخناتون؛ ذلك أن الناس لا يترددون في أن يؤدوا أغلى الأثمان لكي يعودوا إلى ما خطته لهم أساطيرهم؛ وكانت جذور الأساطير الدينية حتى في ذلك العهد السحيق قد أخذت تتأصل في العقول. ومن حقنا أن نفترض أن السومريين كانوا يؤمنون بالحياة الآخرة، لأن الطعام والأدوات كانت تدفن مع الموتى في القبور (٤٤)، ولكنهم كانوا يصورون الدار الآخرة، كما صورها اليونان من بعدهم، عالماً مظلماً تسكنه الأطياف التعسة ويهوى إليه الموتى أياً كان شأنهم من غير تمييز بينهم.
ولم تكن فكرة الجنة والنار والنعيم الدائم والعذاب المخلد، قد استقرت بعد في عقولهم، ولم يكونوا يتقدمون بالصلاة والقربان طمعا في "الحياة الخالدة"، بل كانوا يتقدمون بهما طمعاً في النعم المادية الملموسة في الحياة الدنيا (٤٥). وتصف إحدى الأساطير المتأخرة كيف علمت إي إلهة الحكمة أدابا حكيم إريدو جميع العلوم، ولم تخف عنه من أسرارها إلا سراً واحداً- هو سر الحياة الأبدية التي