له معنى محط بالكرامة حتى قام النزاع بين الدين والفلسفة فأدى إلى هجوم المحافظين على السوفسطائيين، وأثارت نزعة بعضهم التجارية أفلاطون إلى أن تسوئ سمعتهم بأن عزا إليهم تهمة "السفسطة" بغية المكسب، وهي الوصف الذي ظل لاصقاً بهم إلى يومنا هذا. ولعل الجمهور كان يشعر نحو هؤلاء بشيء من الكره الخفي من بدء ظهورهم، لأن ما كانوا يتقاضونه من باهظ الأجر نظير تدريس المنطق والبلاغة لم يكن يطيقه إلا الأغنياء الذين أفادوا من علمهم هذا في دور القضاء (٨٢). ولسنا ننكر أن المشهورين من السوفسطائيين كانوا يتقاضون ممن يعلمونهم أكثر ما يرضى هؤلاء أن يؤدوه إليهم من الأجر، وذلك هو قانون الأثمان في كل مكان … فكان بروتاغوراس، وغورغياس، كما يقول الرواة، يطلبان عشرة آلاف درخمة (٠٠٠ ر ١٠ ريال أمريكي) أجراً لتعليم تلميذ واحد. غير أن من كانوا أقل من هذين شأناً كانوا يقنعون بأجور معتدلة، فكان برودكس Prodicus مثلاً - وهو الذي ذاع صيته في جميع أنحاء اليونان - يطلب ما بين درخمة وخمسين أجراً للاشتراك في مناهجه (٨٣).
وقد ولد بروتاغوراس أشهر السوفسطائيين جميعهم في أبدرا قبل مولد دمقريطس بجيل من الزمان. وكان في أثناء حياته أشهر الرجلين وأعظمهما نفوذاً، وفي وسعنا أن نستدل على ما كان له من شهرة واسعة بما أحدثته زياراته لأثينة من حماسة بالغة (١) واهتياج فيها كبير، وحتى أفلاطون نفسه - وهو الذي لم يقل كلمة طيبة في السوفسطائيين عن قصد - كان يجله ويصفه بأنه على خلق عظيم. وفي الحوار الأفلاطوني الذي سمي باسمه نرى بروتاغوراس أحسن مظهراً من سقراط الشاب الكثير الجدل، فسقراط في هذا الحوار
(١) أكبر الظن أن هذه الزيارات كانت في العوام الآتية: ٤٥١ - ٤٤٥، ٤٣٢، ٤٢٢، ٤١٥.