من حكم العادة أو القانون، كان هذا الميل وتلك التفرقة عاملاً في تقويض الدعائم القديمة للأخلاق اليونانية، ومشجعاً للناس على القيام بكثير من التجارب في أساليب العيش. وأخذ الشيوخ يأسفون لانقضاء ما كان يسود المنزل من بساطة وإخلاص، ولانهماك الناس في السعي وراء اللذة وجمع المال متحللين في ذلك من قيود الدين (١٠٦). ويحدثنا أفلاطون وتوكيديدس عن المفكرين والقادة الذين يقولون إن الأخلاق وهم وخرافة، والذين لا يعترفون بأي حق غير حق القوة. وهذه الفردية العارمة التي لا قيد لها من الضمير هي التي جعلت منطق السوفسطائيين وبلاغتهم وسيلة للاحتيال القانوني والتهريج السياسي، وحطت من قيمة نزعتهم العالمية الواسعة الأفق فجعلتها مجرد إحجام وحذر عن الدفاع عن بلادهم أو استعداد لبيعها لمن يؤدي فيها أغلى الأثمان، دون أن يشعروا بشيء من وخز الضمير. وأخذ الزراع المتدينون والأشراف المحافظون يرون ما يراه عامة المواطنين من أهل الحواضر الديمقراطيين وهو أن الفلسفة قد أصبحت خطراً يهدد كيان الدولة وينذرها بشر مستطير.
واشترك بعض الفلاسفة أنفسهم في مهاجمة السوفسطائيين، فاتهمهم سقراط (كما اتهم أرسطوفان سقراط من بعد) بأنهم يموهون الخطأ بزخرف المنطق ويقنعونه بقوة البلاغة، وكان يحتقرهم لأنهم يتقاضون من الناس أجوراً (١٠٧). ويبرر جهله بالنحو بأنه لم يكن يستطيع حضور منهج برودكس الذي يكلف خمسين درخمة، ويقول إن كل ما كان في وسعه أن يحضر منهج الدرخمة الواحدة الذي يقتصر على المبادئ الأولية (١٠٨). وكتب في ساعة مشئومة تلك المقارنة القاسية يكشف فيها عن أمرهم:
"إنا لنعتقد يا أنتيفون أن في وسعنا أن نتصرف في الجمال أو في الحكمة تصرفاً شريفاً أو غير شريف، فالشخص إذا باع جماله بالمال إلى كل راغب