المتمسكون منهم بالدين فقد كانوا يرونه أشد السوفسطائيين خطورة، لأنه وإن راعى ما في الدين القديم من أسباب المتعة والمسرة، رفض التقاليد المرعية، وأراد أن يخضع كل قاعدة من قواعده إلى حكم العقل بعد تقص وفحص، وأن يقيم قواعد الأخلاق على أساس ضمير الأفراد لا على أساس خير المجتمع أو أوامر الآلهة، وانتهى به الأمر إلى تشكك ترك العقل في حال من الاضطراب زعزعت كيان كل عادة وكل عقيدة. وكان الذين يمجدون الأيام الخوالي أمثال أرسطوفان يعزون إليه كما يعزون إلى بروتاغوراس ويوربديز زعزعة أركان الدين، وقلة احترام الصغار للكبار، والانحلال الخلقي عند الطبقات المتعلمة، وفوضى العزوبة التي كانت تقوض أركان الحياة الأثينية. ولقد كان الكثيرون من زعماء الحزب الألجركي من تلاميذ سقراط أو من أصدقائه، وإن كان هو نفسه قد أبى أن يؤيد هذا الحزب، ولما أن قام رجل منهم يدعى أقريتياس وقاد الألجركيين في ثورة بسطوا خلالها عهداً من الإرهاب الوحشي، اتهم الديمقراطيون أمثال أنيتوس، وملاتوس سقراط بأنه العقل المحرك للرجعية الألجركية، وأجمعوا أمرهم على إبعاده عن مجرى الحياة الأثينية.
وأفلحوا فيما أجمعوا أمرهم عليه، ولكنهم لم يفلحوا في القضاء على ما كان من نفوذ لا حد لقوته. ذلك أن الطريقة الجدلية التي تلقاها عن زينون انتقلت منه عن طريق أفلاطون إلى أرسطاطاليس فحولها هذا إلى نظام منطقي بلغ من الكمال درجة استطاعت بها أن تبقى دون أن يطرأ عليها تغيير ما تسعة عشر قرناً كاملة. أما العلم فقد كان له فيه أثر ضار، ذلك أنه حول الطلاب من البحث في العلوم الطبيعية، كما أن نظرية الغرض الخارجي لم تكن من العوامل المشجعة للتحليل العلمي. وربما كان لنزعة سقراط الفردية والذهنية في علم الأخلاق بعض الأثر فيما أصاب الأخلاق في أثينة من انحلال، ولكن رفعها من شأن الضمير، وقولها إنه أعلى من القانون، أصبحا من العقائد الجوهرية في الديانة المسيحية. وقد انتقل الكثير