وكأنه يعني بهذا أن التمثيل يجب أن يتجه إلى حد ما نحو المثل العليا، وأن الفن يجب ألا يكون تصويراً شمسياً. ولكن أثر يوربديز يظهر واضحاً في النقاش الذي يدور في الحوار، وفي استغلال العواطف في بعض الأحيان؛ وشاهد ذلك أنا نرى أوديب يغفل صفاته الملكية ويحاج تيرسياس Teiresias، ونراه حين يفقد بصره يتحسس أوجه بناته تحسساً يبعث الحسرة في النفس. أما إسكلس فلو أنه كان في هذا الموقف نفسه لنسي البنات وأخذ يفكر في قانون من القوانين الخالدة.
وسفكليز أيضاً فيلسوف وواعظ، ولكن نصائحه لا تعتمد على رضاء الآلهة بالقدر الذي تعتمد به عليها نصائح إسكلس. وسبب ذلك أنه قد مسته روح السوفسطائيين، وهو وإن كان يستمسك بأصول الدين يظهر في مسرحياته أنه لولا أن الحظ قد واتاه لكان هو ويوربديز سواء. ولكن حساسيته الشاعرية الشديدة التي تمنعه أن يتلمس المعاذير لما يصيب الناس من ضر لا يستحقونه في أغلب الأحيان. انظر مثلاً إلى قول ليلس Lyllus أمام جسم هرقل وهو يتلوى من شدة الألم:
"نحن لم نقترف ذنباً، ولكننا نقر بأن قلوب الآلهة خالية من الرحمة، فهم يلدون الأبناء، ويطلبون أن يعبدوا باسم الآباء، ولكنهم ينظرون إلى أبنائهم نظرة مليئة بالأحقاد"(٧٣).
وهو ينطق جوكستا بالسخرية من النبوءات، مع أن مسرحياته تدور حول هذه النبوءات نفسها وتبدو فيها واضحة؛ وترى كريون يندد بالمتنبئين ويقول عنهم إنهم "طائفة لا هم لها إلا جمع المال"، ويسأل فلكتيتس السؤال القديم "كيف نبرر تصرفات السماء إذا كنا نجد السماء ظالمة؟ "(٧٤) ويجيب سفكليز عن هذا السؤال إجابة تبعث الأمل في النفوس فيقول