للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تكتنف كل أساليبه، وكلما مرت السنون تبدلت حياتك سوءاً بعد سوء. سوف يقترب منك الحزن، ويمتنع عن عينيك السرور. هذا هو الجزاء الذي يناله من يطول أجلهم.

"وخير الناس في نظري هو الذي لم يولد (١)؛ ويليه في هذا من يولد ثم يموت لساعته. إن الشباب ليجيء للإنسان بالحماقات التي هي أخف وزناً من الريش، ثم تجتمع الشرور كلها فلا ينقصها شر: من الغضب، وحسد، وشقاق، ونزاع، وسيف يتعقب الحياة. وتختتم هذه المتاعب كلها باقتراب الشيخوخة التي توهن الجسم فيفر من الأصدقاء والأقارب، الشيخوخة التي يتضاعف فيها كل ما تحت قبة السماء من أحزان.

"والذي يتحرر من الكدح، تنعقد أواصر الصداقة بينه وبين غيره من الناس، ولا تصحبه عروس ولا أهل عروس، ولا يسمع صوت الدفوف والغناء لأن الموت يقضي على ذلك كله".

ويعرف كل من درس حياة سفكليز أنه كان يتسلى في شيخوخته مع حظيته ثيوريس Theoris، وأنه رزق منها بطفل (٧٨)، وأن أيوفون Iophon ابنه الشرعي أقام دعوى على أبيه يتهمه فيها بالسفه، ولعل الدافع له إلى هذا خوفه أن يترك الشاعر ثروته لابنه من ثيوريس. ودافع سفكليز عن نفسه وقدم دليلاً على تمتعه بكامل قواه بعض مقطوعات قرأها على المحكمة من مسرحية كان يكتبها، ولعلها كانت مسرحية "أوديب في كولونس"؛ ولم يكتف القضاة بتبرئته من التهمة بل ساروا يحفون به إلى بيته (٧٩). ومع أنه قد ولد قبل يوربديز بزمن طويل فقد عاش حتى لبس عليه الحداد، ثم مات في السنة التي مات فيها هذا الكاتب سنة ٤٠٦. ومن الخرافات الشائعة أنه لما حاصر الإسبارطيون


(١) تذكرنا هذه العبارة والعبارة التي في مستهل الفترة السابقة بقول أبي العلاء المعري: "تعب كلها الحياة" و "هذا جناه أبي عليّ". (المترجم)