ناتاو في أور طرازاً تحتذيه سائر هياكل أرض الجزيرة فكانت جدرانه مغطاة من الخارج بالقرميد الأزرق الشاحب، أما من الداخل فكانت تكسوه ألواح من الأخشاب النادرة، كخشب الأرز والسرو تطعم بالرخام والمرمر والعقيق الظفري واليماني والذهب. وكان أعظم هيكل في المدينة يقام عادةً فوق ربوة يعلوه برج من ثلاث طبقات أو أربع أو سبع في بعض الأحيان، يحيط به سلم لولبي ذو بسطة عن كل مقلب. وكانت هذه الأبراج أعلى صروح في المدائن السومرية، ومساكن أعظم آلهتها، كان في وسع الحكومة أن تجد فيها آخر حصن روحي وطبيعي يعصمها من الثوار أو الغزاة (١).
وكانت الهياكل تزينها أحيانا تماثيل للآلهة وللحيوان وللأبطال من بني الإنسان. وكانت هذه التماثيل ساذجة وغير جميلة في صناعتها، تمثل القوة والعظمة ولكن ينقصها الصقل والأناقة والدقة الفنية. ومعظم ما بقي منها يمثل الملك جوديا. وهي منحوتة من الحجر الديوريت الصلب نحتاً واضح المعارف ولكنه مع ذلك فج ساذج. وقد عثر في خرائب تنتمي إلى العهد السومري الأول على تمثال صغير من النحاس على شكل ثور عدى عليه الدهر ولكنه لا يزال يفيض حيوية وهمة ثورية. وفي مدينة أور عثر المنقبون على رأس بقرة مصنوع من الفضة في قبر الملكة شب- آد وهو آية فنية تشهد بما وصل إليه الفن من رقي عظيم، وإن كان الدهر قد عدا عليها حتى لم يعد في وسعنا أن نقدرها التقدير الذي هي خليقة به. وأن هذا الحكم ليؤيده ما بقي من النقوش المحفورة تأييداً
(١) وقد أوحت هذه الأبراج إلى المهندسين الأمريكيين بطراز جديد من المباني الشاهقة ولم يسع القائمين على أعمال التنظيم في تلك البلاد إلا أن يرغموهم على الرجوع بالطبقات العليا من المباني إلى الداخل حتى لا يحجبوا الضوء عن جيرانهم. وإذا ما مثل الإنسان لنفسه أبراج السومريين التي أقيمت من الآجر منذ ٥٠٠٠ عام وأبراج مدينة نيويورك المقامة من الآجر في هذه الأيام إذا مثل الإنسان لنفسه هذه وتلك تضائل الزمن أمامه حتى لم يعد أطول من طرفة عين.