على غير انتظار فتأخذ في التفكير في الحياة بعد الموت، وتظهر في تفكيرها هذا من الشك في هذه الحياة ما لا يقل عن شك هملت فيها:
"ومع هذا فحياة الإنسان كلها ألم وكدر، وليس ثمة راحة على ظهر هذه الأرض؛ وإذا كانت هناك حالة بعيدة أحب إلى الموتى من الحياة فإن يد "الظلماء" تقبض عليها وتحجبها في ظلمات من فوقها ومن أسفل منها. ومن الناس من يرغبون في الحياة ويتعلقون بالبقاء على هذه الأرض بهذا الشيء البراق الذي لا أعرف ماذا أسميه، وذلك لأن الحياة الأخرى نبع مختوم مغلق، والأعماق التي من تحتنا لم تكشف لنا، ونحن تتقاذفنا الخرافات والأوهام إلى أبد الدهر"(٨٤).
وتحمل المربية رسالة إلى هبوليتس تقول إن فدرا ترحب به في فراشها؛ ويرتاع هو لهذه الرسالة لأنه يعرف أن التي تدعوه إلى فراشها زوجة أبيه، وينطلق لسانه بإحدى الفقرات التي اشتهر من أجلها يوربديز بأنه عدو النساء:
"رباه! لم وضعت في سبيلنا هذا الشرك البراق، تلك النساء اللاتي يتعقبن خطانا على ظهر هذه الأرض السعيدة؟ هل إرادتك هي التي اقتضت أن يولد الإنسان عن طريق الحب والمرأة؟ "(٨٥).
ثم تموت فدرا، ويجد زوجها في يدها رسالة كتب فيها أن هبوليتس أغواها. ويستشيط ثسيوس غضباً، ويدعو بوسيدن أن يقتل هبوليتس؛ ويحتج الشاب بأنه بريء ولكن أحداً لا يصدقه؛ ويخرجه ثسيوس من البلاد. وبينما كانت عربته تمر في سيرها بشاطئ البحر إذ يخرج من الموج أسد بحر ويطارده؛ ويجفل جواداه ويقلبان العربة ويجران هبوليتس (بعد أن مزقه الجوادان) فوق الصخور حيث يموت شر ميتة. وترفع فرقة المنشدين صوتها بهذه الأبيات التي أدهشت أثينة وأزعجتها بلا ريب: