يكون سائر الشعراء. وهو يحس بمشاكل الجنس البشري إحساساً قوياً ويعبر عنها تعبيراً مؤثراً عظيم الوقع في النفوس؛ ومآسيه أشد المآسي فجائع وهو أعظم كتابها إنسانية، ولكن إحساسه يكون في أغلب الأحيان مفرطاً في الحنو أو متكلفاً له؛ و "إذرافه الدمع السخين"(٩٨) أيسر مما يجب أن يكون؛ وهو لا يدع فرصة تفلت منه ويستطيع أن يظهر فيها أماً تفارق طفلها، وينتزع كل ما يستطيع انتزاعه من العواطف من كل موقف من المواقف. وتلك المناظر دائمة الحركة، وهو يصفها في بعض الأحيان بقوة لا تعادلها قوة أي وصف من المآسي قبله أو بعده، ولكنها تنحط أحياناً إلى التمثيل الشجوي الغنائي وتتخم بالعنف والرعب كما ترى في خاتمة مسرحية ميديا. وقصارى القول أن يوربديز في بلاد اليونان هو بيرن، وشلي، وهوجو، مجتمعين، وهو بمفرده حركة إبداعية كاملة.
وهو يفوق منافسيه في تصوير الشخصيات، ويحل عنده التحليل النفسي، أكثر مما يحل عند سفكليز نفسه، محل تصاريف القضاء. وهو لا يمل من تقصي القوانين الأخلاقية والبواعث التي تحدد سلوك بني الإنسان. ويدرس أنواعاً مختلفة من الرجال: من زوج إلكترا الفلاّح إلى ملوك بلاد اليونان وطروادة؛ ولسنا نجد كاتباً مسرحياً غيره قد صور مثل ما صور هو من أصناف النساء المختلفة، أو صورها بمثل ما صورها هو من العطف عليها، فقد كان كل لون من ألوان الرذيلة أو الفضيلة يهمه ويسترعي انتباهه، فيصوره تصويراً واقعياً. وهو في هذا يختلف عن إسكلس وسفكليز، فقد كان هذان الكاتبان مستغرقين فيما هو عام وأبدى استغراقاً عجزا معه عن رؤية ما هو فردي ومؤقت سريع الزوال؛ وقد خلقاً بذلك أصنافاً من الشخصيات عميقة غير عادية، أما يوربديز فقد صور أفراداً أحياء، وحسبنا شاهداً على هذا أن أحداً ممن عاش قبله لم يتصور إلكترا بمثل الوضوح الذي تصورها هو به. وفي هذه المسرحيات نرى المسرحيات التي