للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فوق سيقانهن في ضوء الشمس. ونرى في كل مكان الأدلاء العرب على استعداد لمعونة القادمين وتأدية ما يلزمهم من خدمات. ونقف حيث وقف قيصر ونابليون، ونذكر أن خمسين قرناً تطل علينا، نقف حيث جاء أبو التاريخ (١) قبل أن يجيء قيصر بأربعمائة عام، واستمع إلى القصص التي دهش منها بركليز. ثم يسقط من الصورة عامل الزمن فيبدو لنا قيصر وهيرودوت ونحن أيضا كأننا كلنا يعاصر قديمنا حديثنا، ونقف ذاهلين أمام هذه المقابر التي كانت أقدم إلى قيصر وهيرودوت من اليونان بالنسبة إلينا.

وإلى جوار الأهرام يربض تمثال أبي الهول، نصفه أسد ونصفه فيلسوف، يقبض بمخالبه القوية على الرمال، ويحدق بعينيه وهو ساكن لا يتحرك في الزائرين العابرين وفي السهل الأزلي. إنه لتمثال ينتهي فيه جسم الأسد برأس إنسان له فكّان بارزان، وعينان قاسيتان، كأن المدينة التي صورته "٢٩٩٠ ق. م" لم تنس ما كان عليه الإنسان من وحشية في سابق عهده. وكانت الرمال تغطيه في الزمن القديم، ولذلك لا يذكر هيرودوت كلمة واحدة عنه وهو الذي أبصر بعينيه أشياء كثيرة لا وجود لها في تلك البلاد.

ألا ما أعظم ما كان يتمتع به أولئك المصريون الأقدمون من ثراء. وما أقوى سلطانهم وأعظم حذقهم في طفولة التاريخ نفسها. لقد استطاعوا بثرائهم وقوتهم وحذقهم أن ينقلوا هذه الحجارة الضخمة ستمائة ميل أو أكثر وأن يرفعوها، وهي تزن عدة أطنان إلى علو خمسمائة قدم وأن يطعموا المائة ألف من العمال الذين ظلوا يكدحون عشرين عاماً كاملة في تشييد هذه الأهرام إذا لم يكونوا قد أدوا لهم أجورهم على عملهم هذا! وقد احتفظ لنا هيرودوت بنقش وجده على هرم منها يسجل مقدار ما استهلكه العمال الذين شادوه من فجل وثوم وبصل، كأن


(١) يقصد هيرودوت. (المترجم)