من هو أوسع منه شهرة في البسالة والظفر، كان يبدو في حرسه، وحاشيته، وعلى مائدته، أنه يشترك مع أفلاطون في المجمع العلمي. ولا يعيش بين ضباطه المأجورين وجنوده المرتزقة الذين يجدون في ملء بطونهم بلذيذ المأكل والمشرب والاستمتاع بلذائذ الحياة عزاء لهم عن كدحهم المتواصل وما يتعرضون له من الأخطار" (٥٠).
وإذا أخذنا بقول أفلاطون فإن ديون كان يبغي إقامة ملكية دستورية، وإلى إصلاح حياة السراقوصيين وأخلاقهم على مثال الحياة والأخلاق الإسبارطية، وأن يعيد بناء المدن اليونانية المستعيدة أو المخربة في صقلية، وينشئ منها دول موحدة، حتى إذا تم له ذلك أخرج القرطاجيين من الجزيرة. ولكن السراقوصيين كانوا يحرصون أشد الحرص على النظام الدمقراطي، ولم يكونوا يتوقون إلى الفضيلة أكثر مما يتوق إليها ديونيشيوس الأول أو الثاني. فاغتال ديون صديق له، وانطلقت على أثر اغتياله الفوضى من عقالها، وأسرع ديونيشيوس بالعودة إلى سراقوصة، واستولى مرة أخرى على أرتيجيا وعلى أزمة الحكم، وسار فيه بالقسوة والفظاعة التي ينتظرها الإنسان من طاغية خُلِعَ عن عرشه ثم استرده.
وبعد، فإن الأقدار تصيب أحياناً من لا يستحقها من الأفراد، ولكنها قلما تفعل ذلك بالأمم. ثم استغاث السراقوصيون بأمهم كورنثة. وجاءت هذه الاستغاثة في وقت كان فيه كورنثي نبيل نبلاً لا يكاد يصدقه العقل ينتظر أن تتاح له فرصة يُظهر فيها بطولته. لقد كان تيمليون رجلاً من الأشراف، بلغ من حبه للحرية أنه لم يتردد في قتل أخيه تموفانيز حين أراد هذا الرجل أن يقيم نفسه حاكماً مستبداً في كورنثة. واستنزلت أمه اللعنة عليه عقاباً له على عمله هذا، وأنبهَ عليه ضميره، فاعتزل هذا القاتل الناس وآوى إلى الغابات. ولكنه سمع وهو في مأواه بحاجة سراقوصة إلى النجدة، فخرج من ملجأه، ونظم قوة من المتطوعين، وأبحر بها إلى صقلية، وقاد شرذمته