بلاد المغول وفي هذه المنطقة الرملية التي تخترق قارتين من أكبر قارات العالم قامت مراكز الحضارة في الزمن القديم، ثم عفت آثارها حين ارتد الجليد إلى الوراء فاشتدت الحرارة وقلت الأمطار. ويمتد بحَذاء النيل من البحر الأبيض (١) المتوسط إلى بلاد النوبة شريط ضيق من الأرض الخصبة يبلغ عرضه اثني عشر ميلاً على كلتا الضفتين انتزع من الصحراء. وهذا هو الخيط الذي كانت تتعلق به حياة مصر. ومع هذا فما أقصر ما تبدو حياة اليونان أو روما بالقياس إلى السجل الحافل في حياة مصر الذي يمتد من مينا إلى كليوباترا!
وبعد أسبوع من بداية الرحلة تصل الباخرة النيلية إلى الأقصر؛ وفي هذا المكان الذي تقوم فيه قرى صغيرة من حولها الرمال السافية شيدت أكبر العواصم المصرية وأغنى مدينة في العالم القديم، كانت معروفة عند اليونان باسم طيبة وعند أهلها باسم ويزى، ونى. وعلى الضفة الشرقية لنهر النيل يقوم الآن الفندق المعروف بقصر الشتاء "ونتر بالاس" يتوهج سياجه بزهر الجهنمية فإذا أطل المسافر على الضفة الغربية رأى الشمس تغرب من وراء مقابر الملوك في بحر من الرمال، ورأى السماء مزدانة بصفحات براقة ما بين أرجوانية وذهبية، وتسطع في الغرب من بعيد أعمدة هيكل الملكة حتشبسوت الفخم، إذا نظر إليه القادم من بلاد الغرب ظنه بهو أعمدة شاده اليونان أو الرومان الأقدمون.
فإذا أصبح الصباح ركب السائح قارباً بطيئاً يعبر به النهر فوق ماء هادئ ساكن، فلا يخطر بباله أن هذا النهر بعينه ظل يجري على هذا المنوال قروناً يخطئها الحصر. فإذا عبر النهر إلى الضفة الغربية سار في الصحراء ميلاً بعد ميل في طرق جبلية متربة، ماراً بقبور تاريخية قديمة حتى يصل إلى تلك الآية الفنية الرائعة، وأعني بها هيكل الملكة حتشبسوت العظيمة، الذي ترتفع عمدُهُ البيضُ
(١) لعله يقصد من القاهرة أما ما يقع شمالها حتى البحر الأبيض فهو دال النهر التي تمتد عرضها الزراعية أضعاف هذا القدر. (المترجم)