كان أكسانوفون رجلاً شديد التواضع، وسيماً كأعظم ما يتصور الإنسان الوسامة؛ ويقال إن سقراط التقى به في حارة ضيقة فسد عليه مدخلها بعصاه، ومنعه أن يخرج منها، وأخذ يسأله عن الأماكن التي تباع فيها كثير من ضرورات الحياة. فلما أجابه أكسانوفون عن أسئلته سأله من جديد أين يصنع الرجال الطيبون الأفاضل؟ ولما عجز أكسانوفون عن الإجابة قال له سقراط:"اتبعني إذن وتعلم مني" وأصبح أكسانوفون من ذلك الوقت أحد أتباع سقراط (١٧).
وكان أشد تلاميذه ميلاً إلى الفلسفة العملية، وكان يعجبه في سقراط قوة حيلته الجذابة ويرى أنه قديس فيلسوف. ولكنه كان يُعجب بالعمل كما يُعجب بالتفكير، ولذلك صار جندياً مغامراً على حين أن غيره من رجال العلم كانوا كما يقول فيهم أرسطوفان مستهزئاً "يقيسون الهواء"(١٨).
وخدم وهو في سن الثلاثين أو ما يقرب منها في جيش قورش الأصغر وحارب في كونكسا وقاد العشرة آلاف إلى النجاة. وفي بيزنطية انضم إلى الإسبارطيين في حربهم ضد الفرس وأسَر ميديَّاً غنياً، وقبلَ مبلغاً كبيراً من المال فدية له، وعاش من هذا المال بقية أيام حياته، وأصبح بعد تلك الحرب صديقاً لأجسلوس ملك إسبارطة، وأعجب به، وترجم له ترجمة تدل على هذا الإعجاب، وعاد إلى بلاد اليونان مع أجسلوس بعد أن أعلنت أثينة الحرب على إسبارطة، وآثر الولاء له على الولاء لمدينته؛ فلم يكن من أثينة إلا أن أعلنت نفيه وصادرت أملاكه؛ وحارب في صفوف اللسديمونيين في قورونية وكوفئ على هذا بضيعة في سِلس Scilus من أعمال إيليس Elis، وكانت وقتئذ تحت سيطرت إسبارطة، وقضى فيها عشرين عاماً يعيش عيشة سادات الريف، يزرع ويصطاد، ويكتب، ويربي أولاده تربية صارمة على الطريقة الإسبارطية (١٩).
ونحن مدينون بنفيه إلى كتبه المختلفة التي رفعته إلى المقام الأول بين المؤلفين في زمانه. وكان يكتب، إذا حلت له الكتابة، في تدليل الكلاب، وترويض