الطموح والجرأة … إذا حدث هذا نشأ عنه حكم العنف. وحينئذ تقوم الجمعيات الصاخبة، والمذابح، والنفي، وإعادة توزيع الأرض (٢٣) ".
وكانت الحروب ونزاع الطبقات هي التي أضعفت بلاد اليونان الأصلية حتى جعلتها غنيمة سهلة لرومة. ذلك أن قسوة المنتصرين وغلظة قلوبهم المتناهية، وتدمير الغلات، والكروم، والبساتين، وتخريب الضياع، وبيع الأسرى في سوق العبيد قد قضى على إقليم في إثر إقليم، وترك البلاد أشبه بقشرة فارغة أمام العدو الأخير. وهل تقوى أرض أفقرها التنازع والتباغض، واكتسحت تربتها عوامل التعرية، وقُطعت غاباتها، ولم يكن يزرع أرضها إلا المستأجرون الفقراء أو الأرقاء الكليلون، هل تقوى أرض هذا شأنها على منافسة السهول الفيضية التي تشقها أنهار العاصي، والفرات، ودجلة، والنيل. أضف إلى هذا أن المدن الشمالية لم تعد كما كانت من قبل قائمة على الطرق التجارية الكبرى، وأنها قد فقدت أساطيلها الحربية، ولم يكن في مقدورها أن تشرف على موارد الحبوب وطرقها وهي الموارد والطرق التي كانت أثينة وإسبارطة تسيطران عليها في أيام عظمتهما الإمبراطورية. وانتقلت مراكز القوة، بما فيها قوة الإبداع الأدبية والفنية، إلى أماكنها القديمة في آسية ومصر، وهي المراكز التي أخذت منها بلاد اليونان في تواضع وخشوع آدابها وفنونها قبل ذلك الوقت بألف عام.