شبكة من القنوات تشرف عليها الدولة وتُعنى بأمرها. وكانت وقتئذ ملكاً للملوك والنبلاء من رجال حاشيته، أو للمدن، أو الهياكل، أو الأفراد. وكان الأقنان هم الذين يزرعونها في جميع هذه الأحوال وينتقلون معها إذا ما أورثت أو بيعت. وكانت الحكومة تعد كل ما تحتويه الأرض من ثروة ملكاً قومياً (٨)، ولكنها قلما كانت تُعنى باستغلالها. وقد بلغت الحرف وقتئذ، والمدن نفسها، درجة عظيمة من التخصص؛ فكانت مليطس مثلاً مركزاً هاماً لصناعة النسيج، وكانت أنطاكية تستورد المواد الغفل وتحيلها إلى بضائع مصنوعة، وبلغت بعض المصانع الكبرى التي تستخدم العبيد درجة لا بأس بها من الإنتاج الكبير ترسله للأسواق العامة (٩). ولكن الاستهلاك المحلي لم يجارِ الإنتاج، لأن فقر الأهلين لم يساعد على قيام أسواق محلية كبيرة تشجع الصناعات الكبرى.
وكانت التجارة حياة الاقتصاد الهلنستي، فهي التي أوجدت الثروات الكبرى، وشادت المدن العظيمة، واستخدمت نسبة متزايدة من السكان الآخذين في الازدياد. وحل التعامل بالنقد في ذلك الوقت محل المقايضة التي ظلت أربعة قرون وسيلة للتعامل لم تقضِ عليها نقود كروسس. لكنها وقتئذ كادت تختفي اختفاءً تاماً من تلك البلاد، فقد أصدرت مصر، ورودس، وسلوقية، وبرجموم، وغيرها من الحكومات نقوداً بلغت من الاستقرار والتشابه حداً يكفي لتيسير التجارة الدولية. وكانت المصارف تيسر وسائل الائتمان الفردي والعام، وكانت السفن كبيرة تتراوح سرعتها بين أربعة أميال بحرية وستة أميال في الساعة، وكان لها فضل تقصير المسافات بعد أن استطاعت السير في عرض البحار. وفي البر عنى السلوقيون بالطرق الكبرى التي ورثتها بلاد الشرق عن فارس، وأكثروا منها، وزادوا في أطوالها. وكانت طرق القوافل الممتدة من أطراف آسية الصغرى تلتقي في سلوقية ثم تتفرع منها إلى دمشق، وبريتس (بيروت) وأنطاكية. وأثرت سلوقية من هذه التجارة الواسعة،