أرضه ولكنها كانت تقيده بالبقاء في الأرض حتى يجني المحصول، ولم يكن في وسع أي فلاح أن ينتفع بأي قدر من محصولهِ إلا بعد أن تؤدى ما عليه للدولة من التزامات وديون. ولقد كان هذا الفلاح صبوراً بطبعه. ولكنه رغم طبعه هذا بدأ يتذمر، فلم يكد يستهل القرن الثاني حتى بارت مساحات واسعة من الأرض لعدم وجود من يزرعها، ولم يجد مستأجروا أراضي الملك من يؤجرونها لهم ليزرعوها، فحاولوا أن يقوموا هم أنفسهم بزرعها، ولكنهم عجزوا عن ذلك العمل، فأخذت الصحراء تزحف شيئاً فشيئاً على الحضارة. وكان العبيد يعملون في مناجم الذهب ببلاد النوبة وهم عراة، في سراديب مظلمة ضيقة، وأجسامهم ملتوية، وهم مثقلون بالأغلال، يسوقهم الملاحظون إلى العمل بالسياط، طعامهم حقير لا يكاد يسد الرمق، وقد هلك آلاف منهم من سوء التغذية ومن فرط التعب، وكانت سلواهم الوحيدة في هذه الحياة هي الموت (٤٧). وكان العامل العادي في المصانع يتقاضى أبلة واحدة (٩ slash ١٠٠ من الريال الأمريكي) في اليوم، أما الصانع الماهر فكان يتقاضى أبلتين أو ثلاث أبلات، ويستريح من العمل يوماً في كل عشرة أيام.
وعم الاستياء، وازدادت الشكاوى، وكثر الإضراب: إضراب بين عمال المناجم، والمحاجر، ورجال القوارب، والفلاحين، والصناع، والتجار، ثم تعداهم إلى الملاحظين ورجال الشرطة أنفسهم. ولم يكن الغرض من الإضراب زيادة الأجور، فإن الكادحين قد يئسوا من هذه الزيادة من زمن بعيد، بل كان الدافع إليه هو الإعياء واليأس. وتقول بردية تسجل إضراباً من هذا النوع:"لقد خارت قوانا، وسنفر من العمل" أي أنهم سيعتصمون بأحد الهياكل (٤٨). وكان كل المستغلين تقريباً من اليونان، وكل الكادحين المستَغلين تقريباً من المصريين أو اليهود. وكان الكهنة يُثيرون مشاعر الأهلين خفية باسم الدين، على حين كان اليهود يُعارضون في كل عمل تقوم بهِ الحكومة لتخفيف الضغط عليهم أو على المصريين. ولجأت الحكومة في العاصمة إلى العطايا