عصر أسمى وأعظم جرأة من عصرهم. لذلك أوجدوا طرق نقد النصوص والآداب بجميع أشكالهِ تقريباً، وحاولوا ان يستخرجوا خلاصة المخطوطات الكثيرة التي كانت بين أيديهم، وأن يرشدوا الناس إلى ما يجب أن يقرؤوه منها. فوضعوا قوائم "بأحسن الكتب" و "شعراء البطولة الأربعة" و "التسعة المؤرخين" و "العشرة الشعراء الغنائيين" و "العشرة الخطباء" وما إلى هذا (٩). وألفوا سيراً لكبار الكتاب والعلماء، وجمعوا وأنجوا من الدمار المعلومات المشتتة التي لا نعرف الآن غيرها عن هؤلاء الرجال. وكتبوا خلاصات في التاريخ والآداب، والتمثيل، والعلم، والفلسفة (١٠)؛ وقد ساعدت هذه الخلاصات التي كانت أشبه "بالطرق المختصرة للمعرفة" على حفظ المؤلفات الأصلية التي لخصتها، وإن كان بعضها قد حل محلها وقضى بغير علم واضعيها على هذه المؤلفات. وأقضَ مضاجع العلماء الهلنستيين تدهور اللغة اليونانية الأتكية الفصحى وحلول الرطانة اليونانية الشرقية المنتشرة في ذلك الوقت محلها، فأخذوا يضعون المعاجم وكتب النحو؛ وأصدرت مكتبة الإسكندرية، كما يفعل المجمع العلمي الفرنسي في هذه الأيام، وقرارات تبين الاستعمال الصحيح للألفاظ والعبارات اليونانية القديمة. ولولا جد هؤلاء العلماء وصبرهم لقضت الحروب، والثورات، والكوارث التي توالت على هذا الجزء من العالم مدى ألفي عام، على هذه "الشذرات الثمينة" التي انتقلت إلينا من حطام التراث اليوناني القديم.