للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من حكمه رفع ابنته حتشبسوت إلى العرش لتكون شريكة له في الملك. وحكم من بعده زوجها وأخوها لأبيها باسم تحتمس الثاني، وأوصى وهو على فراش الموت أن يخلفه تحتمس الثالث ابن تحتمس الأول من إحدى سراريه (٣٨). ولكن حتشبسوت نحَّتْ هذا الشاب الذي علا نجمه فيما بعد واستأثرت دونه بالملك، وأثبتت أنها لا تختلف عن الملوك في شيء إلا في أنها أنثى.

على أنها لم تعترف حتى بهذا الفرق. ذلك أن التقاليد المقدسة كانت تطلب من كل مصري أن يكون ابن الإله العظيم آمون، ومن أجل هذا أعدت حتشبسوت العدة لأن تكون ذكراً وأن تكون مقدسة، فاخترعت لها سيرة نصت على أن آمون نزل على أحْمَسى أم حتشبسوت في فيض من العطر والنور، فأحسنت هذه استقبالاً؛ ولما خرج من عندها أعلن أن أحمسى ستلد ابنة تشع على الأرض كل ما يتصف به الإله من قوة وبسالة (٣٩). وأرادت الملكة العظيمة بعد إذ أن تُرضي أهواء شعبها ولعلها أرادت أيضا أن تشبع رغبة كامنة في صدرها، فعملت على أن ترسم على الآثار في صورة محارب ملتح من غير ثديين؛ ومع أن النقوش الباقية من عهدها تتحدث عنها بضمير المؤنث، فإنها تسميها "ابن الشمس" و "سيد القطرين". وكانت حين تظهر أمام شعبها تلبس ملابس الرجال، وتلتحي لحية مستعارة (٤٠).

ولعلها كان من حقها أن تقرر بنفسها أن تكون رجلاً أم إمرأة، وذلك لأنها أضحت من خير الحكام الذين جلسوا على عرش مصر- وهم كثيرون- ومن أعظمهم نجاحاً. فقد وطدت دعائم الأمن والنظام في داخل البلاد من غير أن تسرف في الاستبداد، وحافظت على السلم في خارج مصر من غير خسارة وأرسلت بعثة عظيمة إلى بونت "ويرجح أن بونت هذه هي شاطئ إفريقية الشرقي"، وافتتحت سوقا جديدة لتجارة مصر، وجاءت بكثير من الطيبات لشعبها. وعملت على تجميل الكرنك بأن أقامت فيها مسلتين كبيرتين جميلتين، وشيدت في الدير