لِمَ لمْ يحتم داخل أسوار المدينة كما فعل غيره من المقدونيين؟ فأجابه بروتجنيز بقولهِ:"ذلك بأني أعرف أنك إنما تشن الحرب على أهل رودس لا على الفن". فما كان من الملك إلا أن عين له حرساً يحمه، وترك الحصار ليشاهد أعمال الفنان العظيم (١١).
وكان المصورون الهلنستيون يعرفون خداع المنظور، وتمثل الأشخاص بارزين في عين الناظر، وسقوط الضوء، وتجمع الأشكال. ومع أنهم لم يستخدموا المناظر الطبيعية إلا لتكون مؤخرة للصورة لتجميلها، وأنهم صوروها حين استخدموها بطريقة خالية من الحياة جارية على العرف (إذا حكمنا عليها مما نقل عنها من الصور في بمبياي)، فإنهم أدركوا على الأقل أن الطبيعة موجودة، وجعلوا لها مكاناً في الفن في الوقت الذي كان ثيوقريطس يجعل لها مكاناً في الشعر. ولكنهم كانوا شديدي الولع بالإنسان وبأعماله كلها إلى حد غفلوا معه عن الأشجار والأزهار. لقد اقتصر أسلافهم على رسم الآلهة والأغنياء من الآدميين أما الفنانون الهلنستيون فقد افتتنوا بكل ما هو آدمي وتبينوا أن الموضع القبيح المنظر قد يصور تصويراً جميلاً أو على الأقل يأتي بأجر كبير، فانقلبوا يصورون الحياة البشرية بحماسة كحماسة الهولنديين، وسرهم أن يصوروا الحلاقين والأساكفة والعاهرات، والخياطات، والحمير، والرجال المشوهين، والحيوانات الغريبة. ثم أضافوا إلى هذه الصور المأخوذة من الحياة المألوفة أو الريفية، صوراً من الحياة الساكنة الجامدة-كالكعك، والبيض، والفاكهة، والخضر، والسمك، والطير، والحيوان المصيد، والخمر، وكل ما يتصل بها من الطقوس القديمة. وكان سوسوس Sosus البرجمومي يسلى معاصريه بأن يمثل لهم أرضاً من الفسيفساء الخادعة لا تزال منتشرة عليها بقايا وليمة (١٢). لكن المصورين المحافظين قد ساءهم هذا فأخذوا ينددون بهؤلاء الذين يرفعون من شأن الأشياء العادية ويصفونهم بأنهم