للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما يظهر عن رسوم هلنستية. لقد كانت الفسيفساء من النون القديمة في مصر وأرض الجزيرة، ثم أخذها عنهما اليونان وسموا بها إلى أعلى الدرجات، فكانت الصور تقسم بالخطوط إلى مربعات صغيرة، وكانت المكعبات الرخامية الدقيقة تلون بحيث إذا وضع بعضها إلى جانب البعض الآخر مثلت الصورة تمثيلاً لا يبليه الزمان، ولا تزال قطع من الفسيفساء محتفظة بألوانها تقص علينا القصة القديمة وإن كانت قد وطأتها أرجل لا يحصى عديدها. وقد عُثر في بمبياي على صورة تمثل واقعة إسوس، ويرى بعضهم أنها ذات صلة بصورة يونانية من تصوير فلكسينوس (وإن كان هذا مشكوكاً فيهِ). وتتكون هذه الصورة من نحو ١. ٥٠٠. ٠٠٠ حجر، لا تزيد مساحة كل منها على مليمترين مربعين أو ثلاثة مليمترات، ويبلغ طول هذه الفسيفساء كلها ست عشرة قدماً، ويبلغ عرضها ثماني أقدام. وقد ألحق بها الزلزال وثوران البركان اللذان نكبت بهما بمبياي في عام ٧٩ م. ضرراً بليغاً، ولكن ما بقي منها يكفي للدلالة على ما كانت تمتاز به هذه الصورة من براعة وقوة. ففيها يرى الإسكندر وقد اسود جسمه وانتفش شعره من وهج الشمس وقذارة الماء، يوجه الهجوم وهو على ظهر جواده بوسفلسوس Bucephalus، ولا يبعد إلا بضع أقدام عن مركبة دارا الحربية. وقد ألقى عظيم من عظماء الفرس نفسه بين الملكين، وتلقى في جسمه طعنة من رمح الإسكندر. وينحني دارا من مركبته نحو صديقه المجندل، غير عابئ بما يتعرض له من الخطر (لأن الإسكندر يوجه إليه طعنته الثانية) ووجهه مليء بالقلق والحزن. ويهجم فرسان الفرس لينقذوا مليكهم، ويظل رمح الإسكندر متزناً في الهواء. وأهم ما في هذه الصورة وأبدعه هو تمثيل العواطف الكثيرة المعقدة في وجه الإسكندر؛ ولكن أجمل رأس في هذه المجموعة كلها هو رأس جواده. وليس في الفسيفساء كلها ما هو أعظم من هذه القطعة.