للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن خزانة الدولة استطاعت في يوم من الأيام أن تخرج منها ما زنته تسعة آلاف رطل من سبائك الذهب والفضة (٤٣). وراجت التجارة في طيبة رواجاً لم تعهده من قبل، وناءت الهياكل بالقربان، وارتفع صرح بهو الاحتفالات الملكية في الكرنك، وأنشأ فيها المتنزه العظيم بما يتفق مع عظمة الإله والملك. ثم عاد الملك من ميدان القتال ووجه عنايته للفن وإدارة شئون البلاد. ومن أجمل آثار ذلك العهد المزهريات البديعة النقش. وقال عنه وزيره ما كان أمناء سر نابليون المتعبون المنفيون يقولون عنه "أن جلالته كان يعرف كل ما يحدث؛ فما من شيء كان يجهله؛ فقد كان إله المعرفة في كل شيء؛ ولم تكن هناك مسألة لا يفصل فيها بنفسه (٤٣) ". وتوفى الملك بعد أن حكم اثنتين وثلاثين سنة "ويقول بعضهم أنها خمسا وأربعين"، وبعد أن أتم لمصر زعامتها في عالم البحر الأبيض المتوسط.

وجاء من بعده فاتح آخر هو أمنحوتب الثاني فأخضع مرة أخرى بعض عشاق الحرية في سوريا، وعاد إلى طيبة وفي ركابه سبعة ملوك أسرى أحياء مطأطئي الرءوس في مقدمة السفينة الإمبراطورية. وقدم الملك ستة منهم قربانا لآمون ضحى بهم بيده (٤٤). ثم خلفه تحتمس آخر خامل الذكر، جلس بعده على العرش في عام ١٤١٢ أمنحوتب الثالث فحكم البلاد حكما طويلا ارتفعت مصر في خلاله إلى ذروة المجد بفضل ما تجمع فيها من الثروة خلال سيادتها التي دامت قرناً كاملاً. وفي المتحف البريطاني تمثال نصفي لهذا الملك يمثله في صورة رجل يجمع بين الرقة والقوة، في وسعه أن يقبض بيد من حديد على زمام الأمور في إمبراطوريته التي ورثها، وأن يعيش مع هذا في جو من الدعة والنعيم لعل بترونيس أول آل مديشى كانوا يحسدونه عليه. ولولا ما كشف من مخالفات توت عنخ آمون لما صدقنا ما تقصده الروايات وما تدونه السجلات من ثراء أمنحوتب ومظاهر ترفه. وقد بلغت طيبة في عهده من العظمة والفخامة ما بلغته أية مدينة أخرى في عهود التاريخ كلها، فكانت شوارعها غاصة بالتجار، وأسواقها مملوءة بالبضائع الواردة من جميع أنحاء العالم المعروف وقتئذ، ومبانيها " تفوق في فخامتها جميع