للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والرئوي في القلب. وكان لديه فكرة ما عن التمثيل الأساسي للأغذية لأنه ابتدع مسعراً فجاً لقياس حرارة الزفير (٤٧). ويقول إرسستراتوس إن كل عضو يتصل بسائر أجزاء الكائن الحي بثلاث طرق- بشريان، ووريد، وعصب. وأجتهد أن يعلل جميع الظواهر الفسيولوجية بعلل طبيعية، ورفض كل ما يشير إلى موجودات خفية كما رفض نظرية الاختلاط التي قال بها هبارخوس، والتي احتفظ بها هروفيلوس. وكان يرى أن الطب هو فن منع المرض بمراعاة قواعد الصحة، وليس هو علاج المرض بالدواء. وكان يقاوم كثرة استعمال العقاقير، والحجامة، ويعتمد على تنظيم التغذية والاستحمام والرياضة (٤٨).

أولئك هم الرجال الذين جعلوا الإسكندرية في العصر القديم أشبه بفينا في هذه الأيام. غير أنه كانت توجد أيضاً مدارس عظيمة للطب في تراتس Tralles، وميليطس، وإفسوس، وبرجموم، وتاراس؛ وسرقوسة. وكان للكثيرين من المدن إدارات طبية بلدية، بتقاضي الأطباء القائمون بالعمل فيها مرتباً وسطاً، ولكن كان من أسباب فخرهم أنهم لا يفرقون بين الأغنياء والفقراء، والأحرار والأرقاء، وأنهم كانوا تهبون أنفسهم لعلمهم في أي وقت مهما يكن الخطر المحدق بهم. فقد ذهب أبلونيوس الملطي ليكافح الطاعون في الجزائر القريبة من موطنه دون أن ينال على ذلك أجراً، ولما أن فتك المرض بجميع أطباء كوس بعد أن بذلوا كل ما يستطيعون من الجهد لمقاومته، وأقبل غيرهم من أطباء المدن المجاورة لإنقاذهم. وما أكثر القرارات العامة التي أصدرها الحكام للإشادة بذكر الأطباء الهلنستيين والاعتراف بفضلهم؛ ومع أن الكثيرين من القدماء كانوا يسخرون من عجز الأطباء المأجورين، فإن هذه المهنة العظمى قد احتفظت بذلك المستوى الأخلاقي الرفيع الذي ورثته عن أبقراط والذي كانت تعده أعظم تراثه وأثمنه.