منه، وكان على كل زارع أن يؤدي له ضريبة سنوية عينية تتراوح ما بين عُشر (٥٢) المحصول وخُمسه (٥٣). وكان أمراء الإقطاع وغيرهم من الأثرياء يملكون مساحات واسعة من الأرض. وفي وسعنا أن نتصور ما كانت عليه أملاكهم من الاتساع إذا علمنا أن واحداً منهم كان يملك ألفاً وخمسمائة بقرة (٥٤). وكانت الحبوب والسمك واللحوم أهم الأطعمة. وقد عثر على بقية من نقش يحدد ما يسمح للتلميذ أن يأكله ويشربه، وقد ذكر فيه ثلاثة وثلاثون نوعاً من لحم الحيوان وطير، وثمانية وأربعون صنفاً من الشواء، وأربعة وعشرون نوعاً من الشراب (٥٥). وكان الأغنياء يبلعون طعامهم بالنبيذ والفقراء بشراب الشعير المخمر (٥٦).
وكانت معيشة الفلاحين معيشة ضنكاً. فأما من كان منهم مزارعاً "حراً " فلم يكن يخضع إلا للوسيط والجابي، وكان هذان الرجلان يعاملانه على أساس المبادئ الاقتصادية التي ثبتت تقاليدها على مدى الأيام، فكانوا يأخذون من محصول الأرض "كل ما تتحمله وسائل النقل". وإلى القارئ رأْي أحد الكتبة الظرفاء في حياة معاصريه من الرجال الذين كانوا يطعمون مصر القديمة:
"هلا استعدْت في خيالك صورة الزارع حين ُيجبى منه عُشر حَبّه؟ لقد أتلفَتْ الديدان نصف القمح، وأكَلَتْ أفراس البحر ما بقى له منه، وهاجمتها في الحقول جماعات كبيرة من الجرذان، ونزلَت بها الصراصير؛ والماشية النهمة، والطيور الصغيرة تختلس منها الشيء الكثير؛ وإذا غفل الفلاح لحظة عما بقي له في الأرض، عدا عليه اللصوص. يضاف إلى هذا أن السيور التي تربط الحديد والمعزقة فقد بليت، وأن الثورين قد ماتا من جرّ المحراث. وفي هذه اللحظة يخرج الجابي من القارب عند المرسى ليطلب العشور، ثم يأتي حُرّاس أبواب مخازن "الملك" بعصيّهم، والزنوج بجريد النخل، يصيحون: تعالوا الآن، تعالوا! فإذا لم يأتهم أحد طرحوا الزارع أرضاً، وربطوه، وجرّوه إلى القناة وألقوه فيها