واستخدموا الحمير والبغال في حمل الأثقال، وأنسوا كثيرًا من الحيوانات ومنها الفيل. أما الصناعات في المدن فلم تزدهر ازدهار الزراعة اللهم إلا صناعة المعادن؛ ذلك أن القرطاجنيين، كآبائهم الأسيويين، كانوا يفضلون أن يتجروا فيما يصنعه غيرهم، فكانوا يجربون الأقطار، يقودون بغالهم شرقًا وغربًا، ويضربون في قفار الصحراء طلبًا للفيلة والعاج والذهب والعبيد. وكانت سفنهم الضخمة تحمل المتاجر من مئات المواني بين آسيا وبريطانيا وإليهما، لأنهم لم يكونوا يرضون أن يعودوا كما عاد معظم الملاحين عند أعمدة هرقول Pillars of Hercules (مضيق جبل طارق)؛ وأكبر الظن أنهم هم الذين أنفقوا على رحلة هنو Hanno البحرية التي ارتادت ألفين وستمائة ميل من ساحل أفريقيا الغربي، ورحلة هملكو Himilco التي ارتادت سواحل أوربا الشمالية. ويلوح أنهم كانوا أول من أصدر عملة من نوع العملة الورقية- في صورة رقائق من الجلد مطبوع عليها ما يدل على قيمتها ويتعامل بها في جميع أنحاء الدولة القرطاجنية، وإن لم يكن من المستطاع تمييز عملتهم المعدنية عن عملة غيرهم من الأمم.
والراجح أن التجار الأثرياء لا الأشراف أصحاب الضياع هم الذين قدموا الأموال اللازمة لتجييش الجيوش وإنشاء الأساطيل التي حولت قرطاجنة من مركز للتجارة إلى إمبراطورية استولت على ساحل البحر الأبيض الجنوبي من سيرنيكا Cyrenaica إلى جبل طارق والى ما بعد جبل طارق عدا يتكا. واستولى القرطاجنيون كذلك على طارطسوس وجادير (فادز) وغيرهما من المدن الأسبانية، وأثرت بما أخذته من ذهب أسبانيا وفضتها وحديدها ونحاسها. وتملكت جزائر البليار، بل أنها وصلت إلى جزائر ماديرة ومالطة وسرادانية وقورسقة ونصف صقلية الغربي. وكانت تعامل البلاد الخاضعة لحكمها معاملة مختلفة الدرجات في قسوتها، فكانت تفرض عليها جزية سنوية، وتجند الأهلين في جيوشها، وتقيد تجارتها وعلاقاتها الخارجية بأشد من القيود. ولكنها في